في إطار الاجتماعات الدورية لتطوير المناهج التعليمية في لبنان، عقدت لجنة الرياضيات في المركز التربوي للبحوث والإنماء اجتماعًا خُصِّص لعرض توجّهات منهج الرياضيات الجديد، الذي يأتي ضمن الإطار الوطني للمناهج الحديثة. ويهدف هذا المنهج إلى إعادة تعريف الرياضيات كميدان معرفي متكامل ومرتبط بحياة المتعلمين اليومية، وكأداة لتعزيز التفكير النقدي والإبداعي، بعيدًا عن الصورة النمطية للرياضيات كمادة تجريدية ومعقدة.
وأوضح منسق اللجنة، الأستاذ سامر سيف الدين، أن الرياضيات باعتبارها "لغة عالمية للبشرية" يجب أن تخرج من إطارها النظري إلى واقع المتعلمين. وأكد أن اللجنة تسعى من خلال هذا المنهج إلى إزالة الصورة النمطية عن المادة، عبر مقاربة تقوم على دمج النظرية بالتطبيق، مستندة إلى الكفايات الخاصة والمستعرضة، أي الكفايات التي تجعل المتعلم قادرًا على توظيف المعرفة في سياقات حياتية واقعية، ما ينمي لديه التفكير النقدي والإبداع ويجعله قادرًا على التكيّف لمواكبة التطورات والاستجابة لمتطلبات العصر.
من جهتها، أشارت الدكتورة سناء شهيب، عضو اللجنة، إلى أن المقاربة بالكفايات تشكل الإطار الناظم لجميع الحقول المعرفية الفرعية في مادة الرياضيات. واعتبرت أن الكفايات الخاصة، مثل التواصل الرياضي، النمذجة، وحل المشكلات، تُعد أساسًا لبناء وعي المتعلم لفهم الواقع والمساهمة في تغييره نحو الافضل، بحيث يتمكن من ربط المعارف وتحليلها وتوظيفها في مختلف مجالات الحياة العملية.
أما الدكتور أمين الساحلي، فشدّد على أن الرياضيات هو علم مرتبط أصلًا بحاجات الإنسان منذ القدم، باعتباره جزءًا من أي تفكير منطقي ومنهجي. وأوضح أن الرياضيات، بما فيها من قوانين استدلالية ومنهجية منطقية، تساهم في صقل عقل المتعلم وتساعده في التحقق من صحة استنتاجاته وفق قواعد التفكير السليم.
كما أكدت الدكتورة ريا كريدي أن المنهج الجديد يعتمد مقاربة نمائية تبدأ منذ الطفولة المبكرة وترافق المتعلم في مختلف المراحل، بهدف تنمية قدراته على الانتقال من المحسوس إلى المجرد، وبالتالي الوصول إلى أعلى مستويات التفكير، بما يعزّز مسيرته كمتعلّم مدى الحياة، قادر على مواصلة التعلم والتطور في مختلف السياقات.
بدوره، ركّز الدكتور نعمة صفا على البُعد الوطني والإنساني في المنهج الجديد، موضحًا أن المسائل الرياضية ستنبثق من بيئة المتعلّم وثقافته وعاداته، ولن تكون مفصولة عن واقعه. واعتبر أن الرياضيات ستُسهم في تكوين "متعلّم وطني"، معتزّ بهويته، وباحث ومُتقصٍّ في آنٍ معًا، من خلال دمج الثقافة الرقمية وتوسيع آفاق البحث والاستقصاء.
ويأتي هذا الاجتماع ضمن سلسلة من اللقاءات التي تعقدها لجنة الرياضيات بهدف صياغة منهج جديد يجعل من الرياضيات علمًا حيًا، وفعالًا، يتجاوز دوره التقليدي كمادة تعليمية، ليصبح ركيزة أساسية في تكوين المتعلم المفكّر، المواطن، والباحث.