السلامة المرورية وعي... ومسؤولية

"ميشال بدر رئيس قسم أكاديمي مقرر عام التربية الوطنية والتنشئة المدنية المركز التربوي للبحوث والإنماءالسلامة المرورية"

وعي... ومسؤولية

 

شكّلت الحوادث المرورية في السنوات الأخيرة، وما نتج منها من مآسٍ وخسائر بشرية ومادية هاجسًا لدى العديد من الدول ومن بينها لبنان، مشكلة باتت تتطلّب معالجة جذرية تستدعي مشاركة وتعاونَا بين مختلف مكوّنات المجتمع من إدارات ومؤسسات رسمية وجمعيات أهلية للحدّ من هذه الظاهرة السلبية وتداعياتها، وبلورة الأسس والآليات الكفيلة بمعالجتها والحدّ من آثارها.

الشارع مجال مشترك:

إن الشارع، بمختلف مكوّناته، ليس مجالاً سائبًا نتعامل فيه ومعه بعدوانية ولا مبالاة، بل هو مجال عام  مشترك ووسيلة اتصال وتواصل تستفيد منه جهات عديدة ومتنوعة، إذ إنه يشكل مجالاً لحركة السيارات والشاحنات والمشاة وللتبادل التجاري من تبضّع وتسوّق، وتجارة...، لذلك بات من الضروري الوعي والتنبّه إلى اهميّة التعاطي الواعي والتصرّف المسؤول مع هذا المجال في مختلف الظروف والحالات لتلافي سلبيات السلوكيا ت المتهوّرة أوغير المسؤولة.

وبما أن كل تعاطي وتواصل مع أي فرد وأية جهة بما فيها الطريق من المفترض أن تحكمهما المعرفة بالقواعد والأصول الناظمة لهذه العلاقة بمختلف مكوناتها وأبعادها، تلافيًا للفوضى والمآسي التي يمكن إعادتهما إلى سببين اثنين هما:

  • أولاً : جهل لغة الطريق وعدم فهمها، ما يعطّل عملية التعاطي الواعي وفعاليته. لأن الطريق أيضا لها لغتها والإشارات المرورية هي هذه اللغة، إن نحن تعرفناها وفهمناها تمكّنا عندها من مهارة التواصل معها بمختلف مكوناتها وبشكل إيجابي.
  • ثانيًا: الاستهتار ببعض قواعد السلامة المرورية المرتبطة بثقافة الفوقية وعدم الالتزام بقوانين السير وموجباته، بالإضافة إلى حب الأنا والظهور بمظهر الشجاعة والتباهي بمخالفة النظام بالرغم من محاذير هذه المخالفات على الفرد والمجتمع بمختلف مكوناته الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

وبفعل هذين السببين، إضافة إلى غيرهما من الأسباب، يتكبّد لبنان سنويّاً خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. وقد دلّت إحصاءات حوادث السير الصادرة عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بوضوح إلى حجم المشاكل الناجمة عن الحوادث المرورية ، حيث بلغت حوادث السير التي وقعت خلال العام 2010 في لبنان 4583 حادثاً مروريّاً، وقع بنتيجتها 549 قتيلاً و 6517 جريحًا ومصابًا. يدل هذا الواقع على جهل في التعاطي بين مستخدمي الطريق ووسائل النقل، ما يطرح مشكلة واضحة على مستويي الثقافة المرورية والسلوكيات الصحيحة والواعية المتّصلة بهما.

  • التوعية والتوجيه: موجبات وأهداف:

إن العامل البشري له الدور الأكبر في وقوع الحوادث المرورية ما يستوجب إيلاء التوعية على السلامة المرورية والتمرّس بمهاراتها منذ الصغر، اهتمامًا أكبر من الاهتمام المخصّص لها مع تزايد وسائل النقل والانتقال وتنوّعها . وبما أن مهارة التواصل هي من أعقد المهارات إلا أنه يمكن اكتسابها في المدرسة وما توفّره لنا من فرص للتزود بالمعلومات الكافية لبناء معرفة متكاملة تساعدنا على تعزيز مهاراتنا في حياتنا اليومية والاستعداد للانخراط لاحقًا في المجتمع الأوسع.

وتستلزم عملية التوعية هذه توفّر شرطين اثنين هما:

وعي مستَعمِلي الطريق قواعد السير والمرور وآدابهما.

الاقتناع بأن هذه القواعد والإشارات المرورية تكفل لهم سلامتهم إن هم تعرفوها والتزموا بها.

التربية المدرسيّة والتوعية:

تضمّنت المناهج والكتب المدرسية والأنشطة الصفيّة واللاّصفية المكمّلة لها معارف تعزّز مواقف التلامذة وتنمّي وعيهم وتعزّز مهاراتهم المتصلة بالتوعية المرورية بشكل عملي وهادف، على خلفية دور التربية المدرسية ووظيفتها في مجالي التوعية والتوجيه على تنوعهما بهدف إعداد المواطن الصالح المدرك حقوقه وواجباته كما حقوق الآخرين وواجباتهم على صعد عدة ومنها القضايا المتصلة بالسير والتنقل على الطرقات، فتمّت مقاربة هذا الموضوع بدءًا من الصفوف الأولى وحتى نهاية المرحلة الثانوية، بشكل يراعي الفئة العمرية للتلامذة وما يصادفونه في حياتهم اليومية. إلا أنه لم يتم تخصيص موضوع السلامة المرورية بمناهج أو بكتب أو بمقررات مستقلة، بل جاءت مدمجة في سياق الدروس بما يتلاءم مع طبيعة كل درس وفي أكثر من مادة دراسية ترفدها أنشطة تطبيقية متعددة ومتنوّعة، بهدف تبصير التلامذة بحقوقهم وواجباتهم في هذا المجال كما في غيره من المجالات.

كما تطرّقت الكتب المدرسية بشكل ملفت، متكرّر ومتدرّج إلى المضامين والأهداف الآتية المتصلة بالتوعية على السلامة بشكل عام والسلامة المرورية بشكل خاص وفقاً للسنوات لجهة:

تعريف المتعلِّم بمؤسسات المجتمع المدني وبالمرافق المشتركة والملكيات العامة، وأثرهما في حياته اليومية (الشارع العام، الساحات العامة، الحدائق العامة، قانون السير...) واحترام أنظمتها وقوانينها.

تزويد المتعلّمِ بمفهوم الدولة ومؤسساتها وإداراتها التي تؤمّن الخدمات للمواطنين وتحافظ على أمنهم وسلامتهم (القوى الأمنية المختلفة).

تنمية شعور المتعلّمِ بالانتماء إلى الأسرة، وتقدير دور الأهل في تحمّل أعبائها، كمقدمة للتمرّس باحترام النظام العام في المجتمع الأكبر على خلفية تعريف المتعلِّم بحقوقه وواجباته كمواطن، وتدريبه على المشاركة في الحياة المدنية.

إن ما تقدّم لا ينفي ضرورة المبادرة إلى اعتماد سياسة آنية وعاجلة، تعالج أسباب المشاكل الناجمة عن الحوادث المرورية وما يترتّب عنها و تقوم على:

تعميم ثقافة مرورية بين مختلف فئات المجتمع تسهم فيها مختلف وسائط التربية من أسرة ومدرسة ومجتمع، لأنّ الأمية المرورية أصبحت صفة شبه شاملة في مجتمعنا اللبناني، كما في ما بين أفراده، يرفدها عامل الاستقواءوالمحسوبية "والأنا" بزخم مضاف يتسبّب في تفاقم المشكلة.

تطبيق النظام على الجميع وعلى كل فرد مهما علا شأنه أو كانت وظيفته من دون محاباة أومسايرة أو مواربة لأنه يشكل العاملالأول في تشكيل السلوك المروري الصحيح والآمن.

تعزيز السلوك الواعي والملتزم بقواعد السير وسلامة الإنسان بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني ومكوناته، كونه يشكل رادعًا نفسيّاً ومعنويّاً للمتجاوزين والمخالفين بفعل العامل التأثيري للجماعة، وعلى هذا الأساس تتخذ التوعية الشاملة أهميتها ليصبح السلوك الخارج على الإجماع  والالتزام مدانًا، ولكي يصبح كل مواطن خفيرًا.

خاتمة:

إن الالتزام بقواعد المرور وأنظمته يدل على سلوك حضاري. كما أن التوعية على السلامة المرورية وتفعيل الالتزام بها توفّر علينا الكثير من المآسي، لأنّ معرفتنا لغة الطريق وآدابها تبعدنا عن الخطر ولو كان بسيطًا وتجنبنا الكثير من المخاطر وما قد ينتج منها من وفيات وإعاقات وتكلفة مادية ومعاناة نفسية وخسارة عناصر شابة من المجتمع لو قيّض لها البقاء على قيد الحياة سليمة معافاة لقدمت لنفسها ولمجتمعها ووطنها خدمات جلى.

لذلك فإن من المفترض ألا نتهاون مع الشارع وخطورته، لأننا بإهمالنا وباستهتارنا نهدّد سلامتنا وسلامة كائنات بشرية لها الحق في الحياة مثلنا، وليس من حق أي فرد أو جهة حرمانهم إياها تحت أي ظرف. وأملنا ان نتعرّف إلى لغة الطريق وإشاراتها ليأتي سلوكنا المروري مبنيّا على المعرفة بالسير وقواعده، بعيدا عن الاستبداد والتهوّر واللامسؤولية، لينطبق علينا القول المأثور "إن اللبيب من الإشارة يفهم".

المصادر والمراجع:
- المرسوم رقم 10227 /97 تاريخ 8/5/1997 (مناهج التعليم العام واهدافها)
- التعاميم الصادرة عن وزير التربية رقم: ٣٣ /م/ 97 - 36/م/97 - 36/م/98 - 24/م/99
- كتب التربية الوطنية والتنشئة المدنية/سلسلة الكتاب المدرسي الوطني/المركز التربوي للبحوث والإنماء.
- د. الشويري الياس- دليل السائقين والمشاة.
Education à la Citoyennete/ Sophie Le Callenac/ - Collection Magellan / Hatier/ Paris 2008

السلامة المرورية وعي... ومسؤولية

"ميشال بدر رئيس قسم أكاديمي مقرر عام التربية الوطنية والتنشئة المدنية المركز التربوي للبحوث والإنماءالسلامة المرورية"

وعي... ومسؤولية

 

شكّلت الحوادث المرورية في السنوات الأخيرة، وما نتج منها من مآسٍ وخسائر بشرية ومادية هاجسًا لدى العديد من الدول ومن بينها لبنان، مشكلة باتت تتطلّب معالجة جذرية تستدعي مشاركة وتعاونَا بين مختلف مكوّنات المجتمع من إدارات ومؤسسات رسمية وجمعيات أهلية للحدّ من هذه الظاهرة السلبية وتداعياتها، وبلورة الأسس والآليات الكفيلة بمعالجتها والحدّ من آثارها.

الشارع مجال مشترك:

إن الشارع، بمختلف مكوّناته، ليس مجالاً سائبًا نتعامل فيه ومعه بعدوانية ولا مبالاة، بل هو مجال عام  مشترك ووسيلة اتصال وتواصل تستفيد منه جهات عديدة ومتنوعة، إذ إنه يشكل مجالاً لحركة السيارات والشاحنات والمشاة وللتبادل التجاري من تبضّع وتسوّق، وتجارة...، لذلك بات من الضروري الوعي والتنبّه إلى اهميّة التعاطي الواعي والتصرّف المسؤول مع هذا المجال في مختلف الظروف والحالات لتلافي سلبيات السلوكيا ت المتهوّرة أوغير المسؤولة.

وبما أن كل تعاطي وتواصل مع أي فرد وأية جهة بما فيها الطريق من المفترض أن تحكمهما المعرفة بالقواعد والأصول الناظمة لهذه العلاقة بمختلف مكوناتها وأبعادها، تلافيًا للفوضى والمآسي التي يمكن إعادتهما إلى سببين اثنين هما:

  • أولاً : جهل لغة الطريق وعدم فهمها، ما يعطّل عملية التعاطي الواعي وفعاليته. لأن الطريق أيضا لها لغتها والإشارات المرورية هي هذه اللغة، إن نحن تعرفناها وفهمناها تمكّنا عندها من مهارة التواصل معها بمختلف مكوناتها وبشكل إيجابي.
  • ثانيًا: الاستهتار ببعض قواعد السلامة المرورية المرتبطة بثقافة الفوقية وعدم الالتزام بقوانين السير وموجباته، بالإضافة إلى حب الأنا والظهور بمظهر الشجاعة والتباهي بمخالفة النظام بالرغم من محاذير هذه المخالفات على الفرد والمجتمع بمختلف مكوناته الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

وبفعل هذين السببين، إضافة إلى غيرهما من الأسباب، يتكبّد لبنان سنويّاً خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. وقد دلّت إحصاءات حوادث السير الصادرة عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بوضوح إلى حجم المشاكل الناجمة عن الحوادث المرورية ، حيث بلغت حوادث السير التي وقعت خلال العام 2010 في لبنان 4583 حادثاً مروريّاً، وقع بنتيجتها 549 قتيلاً و 6517 جريحًا ومصابًا. يدل هذا الواقع على جهل في التعاطي بين مستخدمي الطريق ووسائل النقل، ما يطرح مشكلة واضحة على مستويي الثقافة المرورية والسلوكيات الصحيحة والواعية المتّصلة بهما.

  • التوعية والتوجيه: موجبات وأهداف:

إن العامل البشري له الدور الأكبر في وقوع الحوادث المرورية ما يستوجب إيلاء التوعية على السلامة المرورية والتمرّس بمهاراتها منذ الصغر، اهتمامًا أكبر من الاهتمام المخصّص لها مع تزايد وسائل النقل والانتقال وتنوّعها . وبما أن مهارة التواصل هي من أعقد المهارات إلا أنه يمكن اكتسابها في المدرسة وما توفّره لنا من فرص للتزود بالمعلومات الكافية لبناء معرفة متكاملة تساعدنا على تعزيز مهاراتنا في حياتنا اليومية والاستعداد للانخراط لاحقًا في المجتمع الأوسع.

وتستلزم عملية التوعية هذه توفّر شرطين اثنين هما:

وعي مستَعمِلي الطريق قواعد السير والمرور وآدابهما.

الاقتناع بأن هذه القواعد والإشارات المرورية تكفل لهم سلامتهم إن هم تعرفوها والتزموا بها.

التربية المدرسيّة والتوعية:

تضمّنت المناهج والكتب المدرسية والأنشطة الصفيّة واللاّصفية المكمّلة لها معارف تعزّز مواقف التلامذة وتنمّي وعيهم وتعزّز مهاراتهم المتصلة بالتوعية المرورية بشكل عملي وهادف، على خلفية دور التربية المدرسية ووظيفتها في مجالي التوعية والتوجيه على تنوعهما بهدف إعداد المواطن الصالح المدرك حقوقه وواجباته كما حقوق الآخرين وواجباتهم على صعد عدة ومنها القضايا المتصلة بالسير والتنقل على الطرقات، فتمّت مقاربة هذا الموضوع بدءًا من الصفوف الأولى وحتى نهاية المرحلة الثانوية، بشكل يراعي الفئة العمرية للتلامذة وما يصادفونه في حياتهم اليومية. إلا أنه لم يتم تخصيص موضوع السلامة المرورية بمناهج أو بكتب أو بمقررات مستقلة، بل جاءت مدمجة في سياق الدروس بما يتلاءم مع طبيعة كل درس وفي أكثر من مادة دراسية ترفدها أنشطة تطبيقية متعددة ومتنوّعة، بهدف تبصير التلامذة بحقوقهم وواجباتهم في هذا المجال كما في غيره من المجالات.

كما تطرّقت الكتب المدرسية بشكل ملفت، متكرّر ومتدرّج إلى المضامين والأهداف الآتية المتصلة بالتوعية على السلامة بشكل عام والسلامة المرورية بشكل خاص وفقاً للسنوات لجهة:

تعريف المتعلِّم بمؤسسات المجتمع المدني وبالمرافق المشتركة والملكيات العامة، وأثرهما في حياته اليومية (الشارع العام، الساحات العامة، الحدائق العامة، قانون السير...) واحترام أنظمتها وقوانينها.

تزويد المتعلّمِ بمفهوم الدولة ومؤسساتها وإداراتها التي تؤمّن الخدمات للمواطنين وتحافظ على أمنهم وسلامتهم (القوى الأمنية المختلفة).

تنمية شعور المتعلّمِ بالانتماء إلى الأسرة، وتقدير دور الأهل في تحمّل أعبائها، كمقدمة للتمرّس باحترام النظام العام في المجتمع الأكبر على خلفية تعريف المتعلِّم بحقوقه وواجباته كمواطن، وتدريبه على المشاركة في الحياة المدنية.

إن ما تقدّم لا ينفي ضرورة المبادرة إلى اعتماد سياسة آنية وعاجلة، تعالج أسباب المشاكل الناجمة عن الحوادث المرورية وما يترتّب عنها و تقوم على:

تعميم ثقافة مرورية بين مختلف فئات المجتمع تسهم فيها مختلف وسائط التربية من أسرة ومدرسة ومجتمع، لأنّ الأمية المرورية أصبحت صفة شبه شاملة في مجتمعنا اللبناني، كما في ما بين أفراده، يرفدها عامل الاستقواءوالمحسوبية "والأنا" بزخم مضاف يتسبّب في تفاقم المشكلة.

تطبيق النظام على الجميع وعلى كل فرد مهما علا شأنه أو كانت وظيفته من دون محاباة أومسايرة أو مواربة لأنه يشكل العاملالأول في تشكيل السلوك المروري الصحيح والآمن.

تعزيز السلوك الواعي والملتزم بقواعد السير وسلامة الإنسان بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني ومكوناته، كونه يشكل رادعًا نفسيّاً ومعنويّاً للمتجاوزين والمخالفين بفعل العامل التأثيري للجماعة، وعلى هذا الأساس تتخذ التوعية الشاملة أهميتها ليصبح السلوك الخارج على الإجماع  والالتزام مدانًا، ولكي يصبح كل مواطن خفيرًا.

خاتمة:

إن الالتزام بقواعد المرور وأنظمته يدل على سلوك حضاري. كما أن التوعية على السلامة المرورية وتفعيل الالتزام بها توفّر علينا الكثير من المآسي، لأنّ معرفتنا لغة الطريق وآدابها تبعدنا عن الخطر ولو كان بسيطًا وتجنبنا الكثير من المخاطر وما قد ينتج منها من وفيات وإعاقات وتكلفة مادية ومعاناة نفسية وخسارة عناصر شابة من المجتمع لو قيّض لها البقاء على قيد الحياة سليمة معافاة لقدمت لنفسها ولمجتمعها ووطنها خدمات جلى.

لذلك فإن من المفترض ألا نتهاون مع الشارع وخطورته، لأننا بإهمالنا وباستهتارنا نهدّد سلامتنا وسلامة كائنات بشرية لها الحق في الحياة مثلنا، وليس من حق أي فرد أو جهة حرمانهم إياها تحت أي ظرف. وأملنا ان نتعرّف إلى لغة الطريق وإشاراتها ليأتي سلوكنا المروري مبنيّا على المعرفة بالسير وقواعده، بعيدا عن الاستبداد والتهوّر واللامسؤولية، لينطبق علينا القول المأثور "إن اللبيب من الإشارة يفهم".

المصادر والمراجع:
- المرسوم رقم 10227 /97 تاريخ 8/5/1997 (مناهج التعليم العام واهدافها)
- التعاميم الصادرة عن وزير التربية رقم: ٣٣ /م/ 97 - 36/م/97 - 36/م/98 - 24/م/99
- كتب التربية الوطنية والتنشئة المدنية/سلسلة الكتاب المدرسي الوطني/المركز التربوي للبحوث والإنماء.
- د. الشويري الياس- دليل السائقين والمشاة.
Education à la Citoyennete/ Sophie Le Callenac/ - Collection Magellan / Hatier/ Paris 2008

السلامة المرورية وعي... ومسؤولية

"ميشال بدر رئيس قسم أكاديمي مقرر عام التربية الوطنية والتنشئة المدنية المركز التربوي للبحوث والإنماءالسلامة المرورية"

وعي... ومسؤولية

 

شكّلت الحوادث المرورية في السنوات الأخيرة، وما نتج منها من مآسٍ وخسائر بشرية ومادية هاجسًا لدى العديد من الدول ومن بينها لبنان، مشكلة باتت تتطلّب معالجة جذرية تستدعي مشاركة وتعاونَا بين مختلف مكوّنات المجتمع من إدارات ومؤسسات رسمية وجمعيات أهلية للحدّ من هذه الظاهرة السلبية وتداعياتها، وبلورة الأسس والآليات الكفيلة بمعالجتها والحدّ من آثارها.

الشارع مجال مشترك:

إن الشارع، بمختلف مكوّناته، ليس مجالاً سائبًا نتعامل فيه ومعه بعدوانية ولا مبالاة، بل هو مجال عام  مشترك ووسيلة اتصال وتواصل تستفيد منه جهات عديدة ومتنوعة، إذ إنه يشكل مجالاً لحركة السيارات والشاحنات والمشاة وللتبادل التجاري من تبضّع وتسوّق، وتجارة...، لذلك بات من الضروري الوعي والتنبّه إلى اهميّة التعاطي الواعي والتصرّف المسؤول مع هذا المجال في مختلف الظروف والحالات لتلافي سلبيات السلوكيا ت المتهوّرة أوغير المسؤولة.

وبما أن كل تعاطي وتواصل مع أي فرد وأية جهة بما فيها الطريق من المفترض أن تحكمهما المعرفة بالقواعد والأصول الناظمة لهذه العلاقة بمختلف مكوناتها وأبعادها، تلافيًا للفوضى والمآسي التي يمكن إعادتهما إلى سببين اثنين هما:

  • أولاً : جهل لغة الطريق وعدم فهمها، ما يعطّل عملية التعاطي الواعي وفعاليته. لأن الطريق أيضا لها لغتها والإشارات المرورية هي هذه اللغة، إن نحن تعرفناها وفهمناها تمكّنا عندها من مهارة التواصل معها بمختلف مكوناتها وبشكل إيجابي.
  • ثانيًا: الاستهتار ببعض قواعد السلامة المرورية المرتبطة بثقافة الفوقية وعدم الالتزام بقوانين السير وموجباته، بالإضافة إلى حب الأنا والظهور بمظهر الشجاعة والتباهي بمخالفة النظام بالرغم من محاذير هذه المخالفات على الفرد والمجتمع بمختلف مكوناته الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

وبفعل هذين السببين، إضافة إلى غيرهما من الأسباب، يتكبّد لبنان سنويّاً خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. وقد دلّت إحصاءات حوادث السير الصادرة عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بوضوح إلى حجم المشاكل الناجمة عن الحوادث المرورية ، حيث بلغت حوادث السير التي وقعت خلال العام 2010 في لبنان 4583 حادثاً مروريّاً، وقع بنتيجتها 549 قتيلاً و 6517 جريحًا ومصابًا. يدل هذا الواقع على جهل في التعاطي بين مستخدمي الطريق ووسائل النقل، ما يطرح مشكلة واضحة على مستويي الثقافة المرورية والسلوكيات الصحيحة والواعية المتّصلة بهما.

  • التوعية والتوجيه: موجبات وأهداف:

إن العامل البشري له الدور الأكبر في وقوع الحوادث المرورية ما يستوجب إيلاء التوعية على السلامة المرورية والتمرّس بمهاراتها منذ الصغر، اهتمامًا أكبر من الاهتمام المخصّص لها مع تزايد وسائل النقل والانتقال وتنوّعها . وبما أن مهارة التواصل هي من أعقد المهارات إلا أنه يمكن اكتسابها في المدرسة وما توفّره لنا من فرص للتزود بالمعلومات الكافية لبناء معرفة متكاملة تساعدنا على تعزيز مهاراتنا في حياتنا اليومية والاستعداد للانخراط لاحقًا في المجتمع الأوسع.

وتستلزم عملية التوعية هذه توفّر شرطين اثنين هما:

وعي مستَعمِلي الطريق قواعد السير والمرور وآدابهما.

الاقتناع بأن هذه القواعد والإشارات المرورية تكفل لهم سلامتهم إن هم تعرفوها والتزموا بها.

التربية المدرسيّة والتوعية:

تضمّنت المناهج والكتب المدرسية والأنشطة الصفيّة واللاّصفية المكمّلة لها معارف تعزّز مواقف التلامذة وتنمّي وعيهم وتعزّز مهاراتهم المتصلة بالتوعية المرورية بشكل عملي وهادف، على خلفية دور التربية المدرسية ووظيفتها في مجالي التوعية والتوجيه على تنوعهما بهدف إعداد المواطن الصالح المدرك حقوقه وواجباته كما حقوق الآخرين وواجباتهم على صعد عدة ومنها القضايا المتصلة بالسير والتنقل على الطرقات، فتمّت مقاربة هذا الموضوع بدءًا من الصفوف الأولى وحتى نهاية المرحلة الثانوية، بشكل يراعي الفئة العمرية للتلامذة وما يصادفونه في حياتهم اليومية. إلا أنه لم يتم تخصيص موضوع السلامة المرورية بمناهج أو بكتب أو بمقررات مستقلة، بل جاءت مدمجة في سياق الدروس بما يتلاءم مع طبيعة كل درس وفي أكثر من مادة دراسية ترفدها أنشطة تطبيقية متعددة ومتنوّعة، بهدف تبصير التلامذة بحقوقهم وواجباتهم في هذا المجال كما في غيره من المجالات.

كما تطرّقت الكتب المدرسية بشكل ملفت، متكرّر ومتدرّج إلى المضامين والأهداف الآتية المتصلة بالتوعية على السلامة بشكل عام والسلامة المرورية بشكل خاص وفقاً للسنوات لجهة:

تعريف المتعلِّم بمؤسسات المجتمع المدني وبالمرافق المشتركة والملكيات العامة، وأثرهما في حياته اليومية (الشارع العام، الساحات العامة، الحدائق العامة، قانون السير...) واحترام أنظمتها وقوانينها.

تزويد المتعلّمِ بمفهوم الدولة ومؤسساتها وإداراتها التي تؤمّن الخدمات للمواطنين وتحافظ على أمنهم وسلامتهم (القوى الأمنية المختلفة).

تنمية شعور المتعلّمِ بالانتماء إلى الأسرة، وتقدير دور الأهل في تحمّل أعبائها، كمقدمة للتمرّس باحترام النظام العام في المجتمع الأكبر على خلفية تعريف المتعلِّم بحقوقه وواجباته كمواطن، وتدريبه على المشاركة في الحياة المدنية.

إن ما تقدّم لا ينفي ضرورة المبادرة إلى اعتماد سياسة آنية وعاجلة، تعالج أسباب المشاكل الناجمة عن الحوادث المرورية وما يترتّب عنها و تقوم على:

تعميم ثقافة مرورية بين مختلف فئات المجتمع تسهم فيها مختلف وسائط التربية من أسرة ومدرسة ومجتمع، لأنّ الأمية المرورية أصبحت صفة شبه شاملة في مجتمعنا اللبناني، كما في ما بين أفراده، يرفدها عامل الاستقواءوالمحسوبية "والأنا" بزخم مضاف يتسبّب في تفاقم المشكلة.

تطبيق النظام على الجميع وعلى كل فرد مهما علا شأنه أو كانت وظيفته من دون محاباة أومسايرة أو مواربة لأنه يشكل العاملالأول في تشكيل السلوك المروري الصحيح والآمن.

تعزيز السلوك الواعي والملتزم بقواعد السير وسلامة الإنسان بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني ومكوناته، كونه يشكل رادعًا نفسيّاً ومعنويّاً للمتجاوزين والمخالفين بفعل العامل التأثيري للجماعة، وعلى هذا الأساس تتخذ التوعية الشاملة أهميتها ليصبح السلوك الخارج على الإجماع  والالتزام مدانًا، ولكي يصبح كل مواطن خفيرًا.

خاتمة:

إن الالتزام بقواعد المرور وأنظمته يدل على سلوك حضاري. كما أن التوعية على السلامة المرورية وتفعيل الالتزام بها توفّر علينا الكثير من المآسي، لأنّ معرفتنا لغة الطريق وآدابها تبعدنا عن الخطر ولو كان بسيطًا وتجنبنا الكثير من المخاطر وما قد ينتج منها من وفيات وإعاقات وتكلفة مادية ومعاناة نفسية وخسارة عناصر شابة من المجتمع لو قيّض لها البقاء على قيد الحياة سليمة معافاة لقدمت لنفسها ولمجتمعها ووطنها خدمات جلى.

لذلك فإن من المفترض ألا نتهاون مع الشارع وخطورته، لأننا بإهمالنا وباستهتارنا نهدّد سلامتنا وسلامة كائنات بشرية لها الحق في الحياة مثلنا، وليس من حق أي فرد أو جهة حرمانهم إياها تحت أي ظرف. وأملنا ان نتعرّف إلى لغة الطريق وإشاراتها ليأتي سلوكنا المروري مبنيّا على المعرفة بالسير وقواعده، بعيدا عن الاستبداد والتهوّر واللامسؤولية، لينطبق علينا القول المأثور "إن اللبيب من الإشارة يفهم".

المصادر والمراجع:
- المرسوم رقم 10227 /97 تاريخ 8/5/1997 (مناهج التعليم العام واهدافها)
- التعاميم الصادرة عن وزير التربية رقم: ٣٣ /م/ 97 - 36/م/97 - 36/م/98 - 24/م/99
- كتب التربية الوطنية والتنشئة المدنية/سلسلة الكتاب المدرسي الوطني/المركز التربوي للبحوث والإنماء.
- د. الشويري الياس- دليل السائقين والمشاة.
Education à la Citoyennete/ Sophie Le Callenac/ - Collection Magellan / Hatier/ Paris 2008