ميشال شيحا: النظرية الدستورية بين الجمود والاستمرارية

شنتال بو عقل طالبة دكتوراه. علوم سياسية حائزة على جائزة ميشال شيحاميشال شيحا: النظرية الدستورية بين الجمود والاستمرارية

يخيَل لكل من يقرأ ميشال شيحا بأن مقالات هذا الكاتب هي مقالات تصدر دوريّاً في إحدى صحفنا اليومية الحالية، فلا يخيل إلينا أن هذه الأفكار تبلورت منذ أوائل القرن الماضي لما كانت الجمهورية اللبنانية لا تزال في حداثة عهدها. لا بل ما يدهش القارىء ويزيد من استحسانه أنه في زمن كان المفكرون العرب قد نهلوا من مناهل المعرفة الغربية، ولما كان هؤلاء يحاولون تطبيق ما تعلموه في المجتمعات الغربية على مجتمعاتنا العربية، كان شيحا يجاهر بأن لمجتمعاتنا خصوصياتها وتكوينها الخاص لا سيما من حيث تكوينها المجتمعي.

فعلى عكس المجتمعات الغربية، تتميز المجتمعات العربية، وخصوصًا المجتمع اللبناني منها 1، بكونها مجتمعات مركبة،"وفيه (لبنان) تتواجد الأعراق والمعتقدات والشعائر واللغات وأساليب التفكير والأعراف" 2.. وهذا ما دفع بشيحا إلى وصف المجتمع اللبناني على أنه ائتلاف العائلات الروحية مع ما ينتج منه من ضرورة تعزيز تنوع التمثيل داخل مجلس النواب وفي بقية المؤسسسات الدستورية والمرافق العامة كوسيلة لتلافي العنف خارج هذه المؤسسات، واستبداله بحوار بنّاء ومنفتح داخل . المؤسسات بعيدًا عن الشارع 3

يُعرف عن ميشال شيحا أنه من مؤسسي العقيدة اللبنانية، هو واضع دستور 1926 ، كما هو أبو ميثاق 1943 . فكيف يتجلّى فكر ميشال شيحا السياسي في أهم الوثائق الدستورية والمواثيق التي أسست للبنان الحديث؟ وما أثر أفكاره في الأوضاع الحالية لمؤسساتنا؟ وهل إن التعديلات المتعاقبة التي لحقت بالدستور قد أحدثت تغييرات جذرية أو أنها أبقت على روحية دستور 1926 وخطوطه العريضة؟

هذا ما سنحاول بحثه في ما يأتي، ولكن قبل الغوص في النظرية الدستورية لميشال شيحا لا بد من إلقاء الضوء على مفهوم هذا المفكر للبنان ككيان، وأهميته كموقع جغرافي وتاريخي وكرسالة.

  1. دور لبنان التاريخي والجغرافي

يظهر لنا ضمن المقالات اليومية ولا سيما من خلال كتاب "لبنان اليوم" 4 نظرية ميشال شيحا للكيان اللبناني:

  • أولاً: لبنان هو بلاد "أقليات طائفية متشاركة" تحتاج إلى وجود مجلس يكون لها مكان التقاء وحوار، يكون مكانًا للتشريع وللاهتمام بقضايا المواطنين بعيدًا عن الأجواء الطائفية، به تتبلور إرادة العيش المشترك بين اللبنانيين. باختصار شديد أراد شيحا أن يكون مجلس النواب إطارًا لحوار حضاري يجري ضمن المؤسسات وليس في الشارع.
  • ثانيًا: إن تعدد القوانين محصورٌ في مجال الأحوال الشخصية من دون غيره من القوانين الاقتصادية، المالية، الاجتماعية، التجارية... وهي قوانين تخضع لها فئات الشعب اللبناني كافة، طبعًا مع وجوب الأخذ بعين الاعتبار الفروقات التنموية والاقتصادية التي تحكم المناطق اللبنانية، أي بين الوسط، بيروت والجبل المحيط بها، والأطراف.
  • ثالثًا: نسبة إلى موقعه الجغرافي كنقطة وصل بين الغرب والشرق، وموقعه المتميز بالنسبة لباقي الدول العربية، استطاع لبنان أن يجمع بين طوائف عدة ويخلق لها إطارًا من العيش المشترك. إلا أنه وفي الوقت نفسه وبحسب تعبير شيحا فإن لبنان هو بلد "مرغوب من قبل جيرانه"  وبالتالي تحدق به أخطار كثيرة، وهذا ما يوجب تضامن فئات الشعب اللبناني كافة. من هنا نستطيع أن نفهم مدى تعلق ميشال شيحا بهويته اللبنانية إلى حد يمكن وصفه “بأبي الفكرة اللبنانية 5.(le père de la libanité)

كل هذا يعبر عن خصائص المجتمع اللبناني التي استطاع ميشال شيحا أن يستخرجها ويستلهم منها عند وضعه لدستور. الجمهورية اللبنانية سنة 1926

  1. الخصائص الدستورية للنظام اللبناني  

قد يعتبر البعض أن دستور 1926 ما هو إلا نسخة طبقالأصل عن دستور الجمهورية الثالثة لفرنسا لسنة 1875 ، إلا أنه وبالرغم من وضعه باللغة الفرنسية، إذ كان لشيحا الدور الأبرز في وضعه لإلمامه باللغة الفرنسية، وبالرغم من أن هذا الأخير استوحى من دستور الجمهورية الثالثة بعضًا من أحكامه، كالتأكيد على الحريات العامة كحرية الرأي والتعبير، وحقوق المواطنين كتأكيد حق الملكية... إلا أنه نجح في عكس الواقع الاجتماعي والسياسي في وثيقة دستورية تضمن وجود آليات من شأنها إعطاء المؤسسات الدستورية المرونة الكافية لتلافي تعطيلها عند كل استحقاق.

أما أبرز الأحكام التي يتميز بها دستور 1926 عن دستور الجمهورية الثالثة والتي يمكن اعتبارها من ركائز النظام اللبناني إلى جانب واجب احترام الحريات العامة وحقوق المواطنين، فهي كالآتي:

أولاً: صلاحيات رئيس الجمهورية

بالرغم من أن الصلاحيات التي كانت معطاة لرئيس الجمهورية كانت جدّ واسعة وقد أدت أحيانًا إلى بعض الإشكالات، إلا أنها خولت رئيس الجمهورية لعب دور الحكم لتلافي التعطيل الذي نشهده حاليّاً في مؤسساتنا الدستورية، عندما أناط اتفاق الطائف السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعًا، من دون وضع آلية دستورية كفيلة بتأمين انتظام الحكم. وهذا ما أتاح تدخلات خارجية لإيجاد تسويات في حالات الأزمات الوطنية الحادة.

ثانياً: الديمقراطية التوافقية

تبلورت نظرية “الديمقراطية التوافقية” كما نعرفها اليوم في سبعينيات القرن الماضي وقد وضع أسسها المفكر السياسي أرنت ليبهارت. تقوم هذه النظرية على اعتبار أن المجتمعات المركَبة لا يمكن أن يستقيم الحكم فيها إذا قامت على (sociétés plurales) المبدأ الذي يحكم المجتمعات المتجانسة اجتماعيّاً ألا وهي قاعدة وإنما تقوم على مبدأ الوفاق(compétition) التنافس بين شرائح المجتمع المتعددة. ففي المجتمعات(consensus) المتجانسة تتغير الحدود الفاصلة بين الموالاة والمعارضة تبعًا لتغير أولويات الشعوب، أما في المجتمعات المركبَة فالحدود هي ثابتة لثبات الهوية الدينية، الإثنية واللغوية لدى الشعوب. ففي الحالة الأولى تتوالى المعارضة والموالاة على الحكم، أما في الحالة الثانية فالموالاة تبقى موالاة والمعارضة تبقى معارضة إذا ما طبقت قاعدة التنافس.

"ديمقراطية توافقية" أو"نظام طائفي" كلها تسميات لنظام سياسي كان هدفه الأساسي احترام التنوع اللبناني وفي الوقت نفسه، وككل الأنظمة، فُرِضَ احترام أبسط القواعد والقوانين التي تؤمّ نِ احترام سيادة الدولة من قبل القادة السياسيين في العلاقات الدولية ومحاربة الزبائنية والفساد في السياسة الداخلية. فإذا تمعنا في أفكار ميشال شيحا نراه يحذر من مخاطر الطائفية إذا لم يتم العمل على تقوية الحس بالانتماء الوطني، واحترام الإنسان الآخر أيّاً يكن انتماؤه، ”تنزاح عنا صفة الأعضاء في طائفة )بالمعنى الضيق الذي يعطى لكلمة طائفة في الشرق الأدنى(  ونستحق صفة المواطنين في هذه البلاد بقدر ما نكترث مباشرة لحياة الدولة... لا يمكن مداواة الفوضى الطائفية والاجتماعية في لبنان بالتجاهل المقصود لما ينتمي إلى حقل السياسة، وكل ما تربحه الفكرة الطائفية، فالأمة هي التي تخسره. في المقابل، لا يسع ما تربحه الأمة إلا أن يساعد في التخفيف، على الصعيد الطائفي، من . الفوضى التي نحن شهودها الحزانى” 6

ولما كان لبنان، كما يعتبره البعض، من أكثر البلدان ملاءمة لوضع نظرية الديمقراطية التوافقية موضع االتنفيذ والاختبار، فإنه بالتالي لا يحكم إلا بالتوافق والتوازنات. فالتوافق هو الذي يوطّدِ العيش المشترك بين اللبنانيين"ليس لنا هاهنا إلا ماضٍ واحد وتاريخ واحد، وعلينا أيضًا أن نجعل في أسمى مقام في نفوسنا تكوين إرادة مشتركة بيننا، هي إرادة العيش سوية وتوفير السعادة بعضنا لبعض. فلا يمكن أن توجد حقيقة سياسية وعملية غير هذه7.  أما التوازن فيشترط وجود مجلس نيابي يكون حاضنًا للنقاش والحوار.

ثالثاً: دور المجلس النيابي كملتقى للحوار والنقاش

يشترط لتحقيق التوازن في السياسة الداخلية وجود مجلس نيابي تتمثل فيه جميع مكونات المجتمع اللبناني "معلوم أننا من القائلين، بأعلى الصوت، بأنه لما كان لبنان مكونًا من أقليات طائفية فإنه لا غنى عن قيام توازن دائم بينها ليبقى لبنان على قيد الحياة. هذا .... التوازن مكانه التمثيل القومي أي المجلس" 8

صحيح أن ما يميز الأنظمة الديمقراطية وجود المجالس النيابية إذ إنها سلطة منتخبة وهي تمثل فئات الشعب كافة، هي سلطة تشريعية كما لديها مهمة مراقبة السلطة التنفيذية. أما في لبنان فيكتسي المجلس النيابي أهمية قصوى إذ إنه ملتقى حوار لجميع فئات الشعب."إن كانت توجد في لبنان مؤسسة ضرورية فهي مجلس النواب. ولا نقول هذا كرمى لعيني الديمقراطية، بل لأن لبنان بلاد لطوائف متشاركة (لا تشكل أي منها الأكثرية، على كل حال)"9.  ولكن أهمية مجلس النواب في لبنان لا تقتصر على إقامة التوازن والتعاون في ما بين السلطات ولكنه يحصر النقاش ضمن مجلس منتخب مستمد شرعيته من الشعب ويبعده بذلك عن "المجالس المليّة"

  1. استمرارية فكر ميشال شيحا

أما على الصعيد الدستوري فإننا نلاحظ استمرارية فكر ميشال شيحا في الحياة السياسية بالرغم من التعديلات الدستورية المتلاحقة:

إن تعديلات 1943 التي ألغت جميع المواد المتعلقة بالانتداب كما وتعديلات 1990 المستوحاة من اتفاق الطائف لم تمس روحية دستور 1926 ، فأبقت على خطوطه العريضة: النظام لا يزال جمهوريّاَ برلمانيّاً يعتمد مبادئ الديمقراطية التوافقية ويعتمد على فصل السلطات والتعاون في ما بينها، كما يؤكد على العيش المشترك وعلى عدم شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك (الفقرة ي من مقدمة الدستور)، إلا أنه وفي الوقت نفسه ألغى مرجعية تكون هي الحكم الدستوري وجعل سلطة الفصل خارج البلاد. فقد"نصَّب الطائف المراجع في معاقل مغلقة بحيث تبقى مفاتيح هذه المعاقل في مرجعية خارجة عن الدستور وخارجة عن المجتمع بل خارجة عن الأمة" 10 (هذا لا يعني أننا مع التمسك بالصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية وإنما مع ايجاد مرجع يكون الحكم الدستوري).

أما بالنسبة لدور مجلس النواب فنحن نراه يتقلص بموازاة الدور القوي الذي تلعبه السلطة الإجرائية والتي أصبحت بدورها في بعض الأحيان، مجلسًا نيابيًّا مصغرًا أما الأخطر فهو تقلص دور مجلس النواب كملتقى  .( mini Parlement ) للحوار وأصبحت “طاولات الحوار المتعاقبة” تأخذ على عاتقها هذه المهمة.

أما بالنسبة للديمقراطية التوافقية، فإن اللبنانيين قد أساؤوا استعمال مبادئها. فهي ككل نظام تفترض وجود قوانين وضوابط تسهم في خلق توازنات بين الشرائح المختلفة المكونة للمجتمع. فالديمقراطية التوافقية، وإن كانت تشوبها بعض الشوائب، لا تتعارض وقيم دولة الحق ولا تبيح عدم احترام القوانين...

منذ بداية عمله السياسي والذي تزامن مع تفكك السلطنة العثمانية ومطالبة شعوب المنطقة بقيام دول تحفظ حقوقهم وحرياتهم، ناضل ميشال شيحا من أجل إنشاء كيان لبناني مستقل عن الكيانات القريبة، وقد استطاع بذلك أن يخلق عقيدة وطنية متماسكة أسهمت في بناء لبنان الحديث. ناضل هذا المفكر من أجل قيام نظام "طائفي"  يحترم وجود تعددية طائفية ويكفل حريات كل طائفة وتمثيلها الصحيح في المجلس النيابي في جوّ من التوافق في حين كانت الدول المجاورة قد استعانت بفكرة القومية العربية من أجل خلق هوية وطنية بالقوة. أما على صعيد الحياة اليومية للبناني فقد دعا ميشال شيحا إلى تخطي حالة التبعية والإقطاعية التي يرزح تحتها اللبنانيون للعبور إلى حالة المواطنة حيث الهوية اللبنانية تغلب الانتماء الطائفي "والحال أن الحس السليم يقضي، في بلاد مثل بلادنا، أن ينمو التنظيم السياسي وأن يتقهقر الجهاز الإقطاعي. وما نسميه الإقطاع هاهنا إنما هو هذا الضرب من الاستزلام الذي لا يبقي عليه إلا جهل عميق بوقائع الحياة السياسية الحديثة والذي لا يبقي على شيء من شخصية الفرد" 11 . إلا أنه في النهاية لا يمكننا إلا وأن نلفت النظر إلى الأمور الآتية: إن الدعوة إلى احترام "العائلات الروحية"  قد أمست في نهاية المطاف تدخلاً من قبل الطوائف في الحياة السياسية اللبنانية وقد أدت إلى تمسك رؤساء الطوائف بامتيازاتهم فارضين بذلك على النظام اللبناني احترام الحقوق الجماعية على الحقوق الفردية، ما حال دون تحوُّل "النظام المؤقت"  إلى دولة مدنية يتساوى فيها جميع المواطنين أمام القانون وفي الوظائف العامة. إن الخوف من انتقال الحوار إلى المساحة الطائفية أصبح واقعًا لا بل أصبح من مميزات المجتمع اللبناني بحيث إن النظام الطائفي ولّد من الفساد والزبائنية وعدم المساءلة ما يهدد النظام بأكمله

Bibliographie

  • Chiha Michel, "Liban d’Aujourd’hui "(1942), 2e édition, Éditions du Trident, Beyrouth, 1961.
  • Lijphart Arend, "Democracy in Plural societies: A comparative Exploration", New Haven and London University Press,1977.
  • "Michel Chiha, 1891-1954," Claude Doumet Serhal avec la collaboration de Michèle Hélou Nahas, Fondation Michel Chiha, Beyrouth 2001
  • Messara Antoine, "Les chances de survie du système consociatif libanais; d’une consociation sauvage à un modèle consociatif rationnalisé, dans la société de concordance". Publications de l’Université Libanaise, Beyrouth 1986.
  •  Safi Hani, »La conception du Liban dans les écrits de Michel Chiha«, Beyrouth, 2000.
  • إميل بجاني،"قراءة في الميثاق: ميشال شيحا"، دار النهار للنشر،2009
  • ميشال شيحا، “في السياسة الداخلية”، ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر

بعض مواد الدستور اللبناني بخط ميشال شيحا

l

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. فقد وصفه جورج قرم بكونه صورة مصغرة microcosme عن السلطنة العثمانية التي كانت تضم أقاليم متعددة وشعوباً وطوائف كثيرة. 
  2. ميشال شيحا " في السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 20 ،
  3. ميشال شيحا " في السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 183 ،
  4. M. Chiha, "Liban d’Aujourd’hui" (1942), 2e édition, Editions du Trident, Beyrouth, 1961, pp. 59-60-61
  5. Safi Hani," La conception du Liban dans les écrits de Michel Chiha, Beyrouth, 2000, p.15.
  6. ميشال شيحا ، "السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 22 ،
  7. ميشال شيحا ، "السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 9
  8. ميشال شيحا ، "السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 7
  9. lيشال شيحا، "السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 95 ،
  10. غسان تويني، النهار، العدد 21247 تاريخ 29 نيسان 2002 ، نقلاً عن إميل بجاني “قراءة في الميثاق: ميشال شيحا” دار النهار للنشر، 2009 ص. 29
  11. ميشال شيحا، “في السياسة الداخلية”، دار النهار، ترجمة أحمد بيضون، ص 143

 

ميشال شيحا: النظرية الدستورية بين الجمود والاستمرارية

شنتال بو عقل طالبة دكتوراه. علوم سياسية حائزة على جائزة ميشال شيحاميشال شيحا: النظرية الدستورية بين الجمود والاستمرارية

يخيَل لكل من يقرأ ميشال شيحا بأن مقالات هذا الكاتب هي مقالات تصدر دوريّاً في إحدى صحفنا اليومية الحالية، فلا يخيل إلينا أن هذه الأفكار تبلورت منذ أوائل القرن الماضي لما كانت الجمهورية اللبنانية لا تزال في حداثة عهدها. لا بل ما يدهش القارىء ويزيد من استحسانه أنه في زمن كان المفكرون العرب قد نهلوا من مناهل المعرفة الغربية، ولما كان هؤلاء يحاولون تطبيق ما تعلموه في المجتمعات الغربية على مجتمعاتنا العربية، كان شيحا يجاهر بأن لمجتمعاتنا خصوصياتها وتكوينها الخاص لا سيما من حيث تكوينها المجتمعي.

فعلى عكس المجتمعات الغربية، تتميز المجتمعات العربية، وخصوصًا المجتمع اللبناني منها 1، بكونها مجتمعات مركبة،"وفيه (لبنان) تتواجد الأعراق والمعتقدات والشعائر واللغات وأساليب التفكير والأعراف" 2.. وهذا ما دفع بشيحا إلى وصف المجتمع اللبناني على أنه ائتلاف العائلات الروحية مع ما ينتج منه من ضرورة تعزيز تنوع التمثيل داخل مجلس النواب وفي بقية المؤسسسات الدستورية والمرافق العامة كوسيلة لتلافي العنف خارج هذه المؤسسات، واستبداله بحوار بنّاء ومنفتح داخل . المؤسسات بعيدًا عن الشارع 3

يُعرف عن ميشال شيحا أنه من مؤسسي العقيدة اللبنانية، هو واضع دستور 1926 ، كما هو أبو ميثاق 1943 . فكيف يتجلّى فكر ميشال شيحا السياسي في أهم الوثائق الدستورية والمواثيق التي أسست للبنان الحديث؟ وما أثر أفكاره في الأوضاع الحالية لمؤسساتنا؟ وهل إن التعديلات المتعاقبة التي لحقت بالدستور قد أحدثت تغييرات جذرية أو أنها أبقت على روحية دستور 1926 وخطوطه العريضة؟

هذا ما سنحاول بحثه في ما يأتي، ولكن قبل الغوص في النظرية الدستورية لميشال شيحا لا بد من إلقاء الضوء على مفهوم هذا المفكر للبنان ككيان، وأهميته كموقع جغرافي وتاريخي وكرسالة.

  1. دور لبنان التاريخي والجغرافي

يظهر لنا ضمن المقالات اليومية ولا سيما من خلال كتاب "لبنان اليوم" 4 نظرية ميشال شيحا للكيان اللبناني:

  • أولاً: لبنان هو بلاد "أقليات طائفية متشاركة" تحتاج إلى وجود مجلس يكون لها مكان التقاء وحوار، يكون مكانًا للتشريع وللاهتمام بقضايا المواطنين بعيدًا عن الأجواء الطائفية، به تتبلور إرادة العيش المشترك بين اللبنانيين. باختصار شديد أراد شيحا أن يكون مجلس النواب إطارًا لحوار حضاري يجري ضمن المؤسسات وليس في الشارع.
  • ثانيًا: إن تعدد القوانين محصورٌ في مجال الأحوال الشخصية من دون غيره من القوانين الاقتصادية، المالية، الاجتماعية، التجارية... وهي قوانين تخضع لها فئات الشعب اللبناني كافة، طبعًا مع وجوب الأخذ بعين الاعتبار الفروقات التنموية والاقتصادية التي تحكم المناطق اللبنانية، أي بين الوسط، بيروت والجبل المحيط بها، والأطراف.
  • ثالثًا: نسبة إلى موقعه الجغرافي كنقطة وصل بين الغرب والشرق، وموقعه المتميز بالنسبة لباقي الدول العربية، استطاع لبنان أن يجمع بين طوائف عدة ويخلق لها إطارًا من العيش المشترك. إلا أنه وفي الوقت نفسه وبحسب تعبير شيحا فإن لبنان هو بلد "مرغوب من قبل جيرانه"  وبالتالي تحدق به أخطار كثيرة، وهذا ما يوجب تضامن فئات الشعب اللبناني كافة. من هنا نستطيع أن نفهم مدى تعلق ميشال شيحا بهويته اللبنانية إلى حد يمكن وصفه “بأبي الفكرة اللبنانية 5.(le père de la libanité)

كل هذا يعبر عن خصائص المجتمع اللبناني التي استطاع ميشال شيحا أن يستخرجها ويستلهم منها عند وضعه لدستور. الجمهورية اللبنانية سنة 1926

  1. الخصائص الدستورية للنظام اللبناني  

قد يعتبر البعض أن دستور 1926 ما هو إلا نسخة طبقالأصل عن دستور الجمهورية الثالثة لفرنسا لسنة 1875 ، إلا أنه وبالرغم من وضعه باللغة الفرنسية، إذ كان لشيحا الدور الأبرز في وضعه لإلمامه باللغة الفرنسية، وبالرغم من أن هذا الأخير استوحى من دستور الجمهورية الثالثة بعضًا من أحكامه، كالتأكيد على الحريات العامة كحرية الرأي والتعبير، وحقوق المواطنين كتأكيد حق الملكية... إلا أنه نجح في عكس الواقع الاجتماعي والسياسي في وثيقة دستورية تضمن وجود آليات من شأنها إعطاء المؤسسات الدستورية المرونة الكافية لتلافي تعطيلها عند كل استحقاق.

أما أبرز الأحكام التي يتميز بها دستور 1926 عن دستور الجمهورية الثالثة والتي يمكن اعتبارها من ركائز النظام اللبناني إلى جانب واجب احترام الحريات العامة وحقوق المواطنين، فهي كالآتي:

أولاً: صلاحيات رئيس الجمهورية

بالرغم من أن الصلاحيات التي كانت معطاة لرئيس الجمهورية كانت جدّ واسعة وقد أدت أحيانًا إلى بعض الإشكالات، إلا أنها خولت رئيس الجمهورية لعب دور الحكم لتلافي التعطيل الذي نشهده حاليّاً في مؤسساتنا الدستورية، عندما أناط اتفاق الطائف السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعًا، من دون وضع آلية دستورية كفيلة بتأمين انتظام الحكم. وهذا ما أتاح تدخلات خارجية لإيجاد تسويات في حالات الأزمات الوطنية الحادة.

ثانياً: الديمقراطية التوافقية

تبلورت نظرية “الديمقراطية التوافقية” كما نعرفها اليوم في سبعينيات القرن الماضي وقد وضع أسسها المفكر السياسي أرنت ليبهارت. تقوم هذه النظرية على اعتبار أن المجتمعات المركَبة لا يمكن أن يستقيم الحكم فيها إذا قامت على (sociétés plurales) المبدأ الذي يحكم المجتمعات المتجانسة اجتماعيّاً ألا وهي قاعدة وإنما تقوم على مبدأ الوفاق(compétition) التنافس بين شرائح المجتمع المتعددة. ففي المجتمعات(consensus) المتجانسة تتغير الحدود الفاصلة بين الموالاة والمعارضة تبعًا لتغير أولويات الشعوب، أما في المجتمعات المركبَة فالحدود هي ثابتة لثبات الهوية الدينية، الإثنية واللغوية لدى الشعوب. ففي الحالة الأولى تتوالى المعارضة والموالاة على الحكم، أما في الحالة الثانية فالموالاة تبقى موالاة والمعارضة تبقى معارضة إذا ما طبقت قاعدة التنافس.

"ديمقراطية توافقية" أو"نظام طائفي" كلها تسميات لنظام سياسي كان هدفه الأساسي احترام التنوع اللبناني وفي الوقت نفسه، وككل الأنظمة، فُرِضَ احترام أبسط القواعد والقوانين التي تؤمّ نِ احترام سيادة الدولة من قبل القادة السياسيين في العلاقات الدولية ومحاربة الزبائنية والفساد في السياسة الداخلية. فإذا تمعنا في أفكار ميشال شيحا نراه يحذر من مخاطر الطائفية إذا لم يتم العمل على تقوية الحس بالانتماء الوطني، واحترام الإنسان الآخر أيّاً يكن انتماؤه، ”تنزاح عنا صفة الأعضاء في طائفة )بالمعنى الضيق الذي يعطى لكلمة طائفة في الشرق الأدنى(  ونستحق صفة المواطنين في هذه البلاد بقدر ما نكترث مباشرة لحياة الدولة... لا يمكن مداواة الفوضى الطائفية والاجتماعية في لبنان بالتجاهل المقصود لما ينتمي إلى حقل السياسة، وكل ما تربحه الفكرة الطائفية، فالأمة هي التي تخسره. في المقابل، لا يسع ما تربحه الأمة إلا أن يساعد في التخفيف، على الصعيد الطائفي، من . الفوضى التي نحن شهودها الحزانى” 6

ولما كان لبنان، كما يعتبره البعض، من أكثر البلدان ملاءمة لوضع نظرية الديمقراطية التوافقية موضع االتنفيذ والاختبار، فإنه بالتالي لا يحكم إلا بالتوافق والتوازنات. فالتوافق هو الذي يوطّدِ العيش المشترك بين اللبنانيين"ليس لنا هاهنا إلا ماضٍ واحد وتاريخ واحد، وعلينا أيضًا أن نجعل في أسمى مقام في نفوسنا تكوين إرادة مشتركة بيننا، هي إرادة العيش سوية وتوفير السعادة بعضنا لبعض. فلا يمكن أن توجد حقيقة سياسية وعملية غير هذه7.  أما التوازن فيشترط وجود مجلس نيابي يكون حاضنًا للنقاش والحوار.

ثالثاً: دور المجلس النيابي كملتقى للحوار والنقاش

يشترط لتحقيق التوازن في السياسة الداخلية وجود مجلس نيابي تتمثل فيه جميع مكونات المجتمع اللبناني "معلوم أننا من القائلين، بأعلى الصوت، بأنه لما كان لبنان مكونًا من أقليات طائفية فإنه لا غنى عن قيام توازن دائم بينها ليبقى لبنان على قيد الحياة. هذا .... التوازن مكانه التمثيل القومي أي المجلس" 8

صحيح أن ما يميز الأنظمة الديمقراطية وجود المجالس النيابية إذ إنها سلطة منتخبة وهي تمثل فئات الشعب كافة، هي سلطة تشريعية كما لديها مهمة مراقبة السلطة التنفيذية. أما في لبنان فيكتسي المجلس النيابي أهمية قصوى إذ إنه ملتقى حوار لجميع فئات الشعب."إن كانت توجد في لبنان مؤسسة ضرورية فهي مجلس النواب. ولا نقول هذا كرمى لعيني الديمقراطية، بل لأن لبنان بلاد لطوائف متشاركة (لا تشكل أي منها الأكثرية، على كل حال)"9.  ولكن أهمية مجلس النواب في لبنان لا تقتصر على إقامة التوازن والتعاون في ما بين السلطات ولكنه يحصر النقاش ضمن مجلس منتخب مستمد شرعيته من الشعب ويبعده بذلك عن "المجالس المليّة"

  1. استمرارية فكر ميشال شيحا

أما على الصعيد الدستوري فإننا نلاحظ استمرارية فكر ميشال شيحا في الحياة السياسية بالرغم من التعديلات الدستورية المتلاحقة:

إن تعديلات 1943 التي ألغت جميع المواد المتعلقة بالانتداب كما وتعديلات 1990 المستوحاة من اتفاق الطائف لم تمس روحية دستور 1926 ، فأبقت على خطوطه العريضة: النظام لا يزال جمهوريّاَ برلمانيّاً يعتمد مبادئ الديمقراطية التوافقية ويعتمد على فصل السلطات والتعاون في ما بينها، كما يؤكد على العيش المشترك وعلى عدم شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك (الفقرة ي من مقدمة الدستور)، إلا أنه وفي الوقت نفسه ألغى مرجعية تكون هي الحكم الدستوري وجعل سلطة الفصل خارج البلاد. فقد"نصَّب الطائف المراجع في معاقل مغلقة بحيث تبقى مفاتيح هذه المعاقل في مرجعية خارجة عن الدستور وخارجة عن المجتمع بل خارجة عن الأمة" 10 (هذا لا يعني أننا مع التمسك بالصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية وإنما مع ايجاد مرجع يكون الحكم الدستوري).

أما بالنسبة لدور مجلس النواب فنحن نراه يتقلص بموازاة الدور القوي الذي تلعبه السلطة الإجرائية والتي أصبحت بدورها في بعض الأحيان، مجلسًا نيابيًّا مصغرًا أما الأخطر فهو تقلص دور مجلس النواب كملتقى  .( mini Parlement ) للحوار وأصبحت “طاولات الحوار المتعاقبة” تأخذ على عاتقها هذه المهمة.

أما بالنسبة للديمقراطية التوافقية، فإن اللبنانيين قد أساؤوا استعمال مبادئها. فهي ككل نظام تفترض وجود قوانين وضوابط تسهم في خلق توازنات بين الشرائح المختلفة المكونة للمجتمع. فالديمقراطية التوافقية، وإن كانت تشوبها بعض الشوائب، لا تتعارض وقيم دولة الحق ولا تبيح عدم احترام القوانين...

منذ بداية عمله السياسي والذي تزامن مع تفكك السلطنة العثمانية ومطالبة شعوب المنطقة بقيام دول تحفظ حقوقهم وحرياتهم، ناضل ميشال شيحا من أجل إنشاء كيان لبناني مستقل عن الكيانات القريبة، وقد استطاع بذلك أن يخلق عقيدة وطنية متماسكة أسهمت في بناء لبنان الحديث. ناضل هذا المفكر من أجل قيام نظام "طائفي"  يحترم وجود تعددية طائفية ويكفل حريات كل طائفة وتمثيلها الصحيح في المجلس النيابي في جوّ من التوافق في حين كانت الدول المجاورة قد استعانت بفكرة القومية العربية من أجل خلق هوية وطنية بالقوة. أما على صعيد الحياة اليومية للبناني فقد دعا ميشال شيحا إلى تخطي حالة التبعية والإقطاعية التي يرزح تحتها اللبنانيون للعبور إلى حالة المواطنة حيث الهوية اللبنانية تغلب الانتماء الطائفي "والحال أن الحس السليم يقضي، في بلاد مثل بلادنا، أن ينمو التنظيم السياسي وأن يتقهقر الجهاز الإقطاعي. وما نسميه الإقطاع هاهنا إنما هو هذا الضرب من الاستزلام الذي لا يبقي عليه إلا جهل عميق بوقائع الحياة السياسية الحديثة والذي لا يبقي على شيء من شخصية الفرد" 11 . إلا أنه في النهاية لا يمكننا إلا وأن نلفت النظر إلى الأمور الآتية: إن الدعوة إلى احترام "العائلات الروحية"  قد أمست في نهاية المطاف تدخلاً من قبل الطوائف في الحياة السياسية اللبنانية وقد أدت إلى تمسك رؤساء الطوائف بامتيازاتهم فارضين بذلك على النظام اللبناني احترام الحقوق الجماعية على الحقوق الفردية، ما حال دون تحوُّل "النظام المؤقت"  إلى دولة مدنية يتساوى فيها جميع المواطنين أمام القانون وفي الوظائف العامة. إن الخوف من انتقال الحوار إلى المساحة الطائفية أصبح واقعًا لا بل أصبح من مميزات المجتمع اللبناني بحيث إن النظام الطائفي ولّد من الفساد والزبائنية وعدم المساءلة ما يهدد النظام بأكمله

Bibliographie

  • Chiha Michel, "Liban d’Aujourd’hui "(1942), 2e édition, Éditions du Trident, Beyrouth, 1961.
  • Lijphart Arend, "Democracy in Plural societies: A comparative Exploration", New Haven and London University Press,1977.
  • "Michel Chiha, 1891-1954," Claude Doumet Serhal avec la collaboration de Michèle Hélou Nahas, Fondation Michel Chiha, Beyrouth 2001
  • Messara Antoine, "Les chances de survie du système consociatif libanais; d’une consociation sauvage à un modèle consociatif rationnalisé, dans la société de concordance". Publications de l’Université Libanaise, Beyrouth 1986.
  •  Safi Hani, »La conception du Liban dans les écrits de Michel Chiha«, Beyrouth, 2000.
  • إميل بجاني،"قراءة في الميثاق: ميشال شيحا"، دار النهار للنشر،2009
  • ميشال شيحا، “في السياسة الداخلية”، ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر

بعض مواد الدستور اللبناني بخط ميشال شيحا

l

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. فقد وصفه جورج قرم بكونه صورة مصغرة microcosme عن السلطنة العثمانية التي كانت تضم أقاليم متعددة وشعوباً وطوائف كثيرة. 
  2. ميشال شيحا " في السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 20 ،
  3. ميشال شيحا " في السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 183 ،
  4. M. Chiha, "Liban d’Aujourd’hui" (1942), 2e édition, Editions du Trident, Beyrouth, 1961, pp. 59-60-61
  5. Safi Hani," La conception du Liban dans les écrits de Michel Chiha, Beyrouth, 2000, p.15.
  6. ميشال شيحا ، "السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 22 ،
  7. ميشال شيحا ، "السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 9
  8. ميشال شيحا ، "السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 7
  9. lيشال شيحا، "السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 95 ،
  10. غسان تويني، النهار، العدد 21247 تاريخ 29 نيسان 2002 ، نقلاً عن إميل بجاني “قراءة في الميثاق: ميشال شيحا” دار النهار للنشر، 2009 ص. 29
  11. ميشال شيحا، “في السياسة الداخلية”، دار النهار، ترجمة أحمد بيضون، ص 143

 

ميشال شيحا: النظرية الدستورية بين الجمود والاستمرارية

شنتال بو عقل طالبة دكتوراه. علوم سياسية حائزة على جائزة ميشال شيحاميشال شيحا: النظرية الدستورية بين الجمود والاستمرارية

يخيَل لكل من يقرأ ميشال شيحا بأن مقالات هذا الكاتب هي مقالات تصدر دوريّاً في إحدى صحفنا اليومية الحالية، فلا يخيل إلينا أن هذه الأفكار تبلورت منذ أوائل القرن الماضي لما كانت الجمهورية اللبنانية لا تزال في حداثة عهدها. لا بل ما يدهش القارىء ويزيد من استحسانه أنه في زمن كان المفكرون العرب قد نهلوا من مناهل المعرفة الغربية، ولما كان هؤلاء يحاولون تطبيق ما تعلموه في المجتمعات الغربية على مجتمعاتنا العربية، كان شيحا يجاهر بأن لمجتمعاتنا خصوصياتها وتكوينها الخاص لا سيما من حيث تكوينها المجتمعي.

فعلى عكس المجتمعات الغربية، تتميز المجتمعات العربية، وخصوصًا المجتمع اللبناني منها 1، بكونها مجتمعات مركبة،"وفيه (لبنان) تتواجد الأعراق والمعتقدات والشعائر واللغات وأساليب التفكير والأعراف" 2.. وهذا ما دفع بشيحا إلى وصف المجتمع اللبناني على أنه ائتلاف العائلات الروحية مع ما ينتج منه من ضرورة تعزيز تنوع التمثيل داخل مجلس النواب وفي بقية المؤسسسات الدستورية والمرافق العامة كوسيلة لتلافي العنف خارج هذه المؤسسات، واستبداله بحوار بنّاء ومنفتح داخل . المؤسسات بعيدًا عن الشارع 3

يُعرف عن ميشال شيحا أنه من مؤسسي العقيدة اللبنانية، هو واضع دستور 1926 ، كما هو أبو ميثاق 1943 . فكيف يتجلّى فكر ميشال شيحا السياسي في أهم الوثائق الدستورية والمواثيق التي أسست للبنان الحديث؟ وما أثر أفكاره في الأوضاع الحالية لمؤسساتنا؟ وهل إن التعديلات المتعاقبة التي لحقت بالدستور قد أحدثت تغييرات جذرية أو أنها أبقت على روحية دستور 1926 وخطوطه العريضة؟

هذا ما سنحاول بحثه في ما يأتي، ولكن قبل الغوص في النظرية الدستورية لميشال شيحا لا بد من إلقاء الضوء على مفهوم هذا المفكر للبنان ككيان، وأهميته كموقع جغرافي وتاريخي وكرسالة.

  1. دور لبنان التاريخي والجغرافي

يظهر لنا ضمن المقالات اليومية ولا سيما من خلال كتاب "لبنان اليوم" 4 نظرية ميشال شيحا للكيان اللبناني:

  • أولاً: لبنان هو بلاد "أقليات طائفية متشاركة" تحتاج إلى وجود مجلس يكون لها مكان التقاء وحوار، يكون مكانًا للتشريع وللاهتمام بقضايا المواطنين بعيدًا عن الأجواء الطائفية، به تتبلور إرادة العيش المشترك بين اللبنانيين. باختصار شديد أراد شيحا أن يكون مجلس النواب إطارًا لحوار حضاري يجري ضمن المؤسسات وليس في الشارع.
  • ثانيًا: إن تعدد القوانين محصورٌ في مجال الأحوال الشخصية من دون غيره من القوانين الاقتصادية، المالية، الاجتماعية، التجارية... وهي قوانين تخضع لها فئات الشعب اللبناني كافة، طبعًا مع وجوب الأخذ بعين الاعتبار الفروقات التنموية والاقتصادية التي تحكم المناطق اللبنانية، أي بين الوسط، بيروت والجبل المحيط بها، والأطراف.
  • ثالثًا: نسبة إلى موقعه الجغرافي كنقطة وصل بين الغرب والشرق، وموقعه المتميز بالنسبة لباقي الدول العربية، استطاع لبنان أن يجمع بين طوائف عدة ويخلق لها إطارًا من العيش المشترك. إلا أنه وفي الوقت نفسه وبحسب تعبير شيحا فإن لبنان هو بلد "مرغوب من قبل جيرانه"  وبالتالي تحدق به أخطار كثيرة، وهذا ما يوجب تضامن فئات الشعب اللبناني كافة. من هنا نستطيع أن نفهم مدى تعلق ميشال شيحا بهويته اللبنانية إلى حد يمكن وصفه “بأبي الفكرة اللبنانية 5.(le père de la libanité)

كل هذا يعبر عن خصائص المجتمع اللبناني التي استطاع ميشال شيحا أن يستخرجها ويستلهم منها عند وضعه لدستور. الجمهورية اللبنانية سنة 1926

  1. الخصائص الدستورية للنظام اللبناني  

قد يعتبر البعض أن دستور 1926 ما هو إلا نسخة طبقالأصل عن دستور الجمهورية الثالثة لفرنسا لسنة 1875 ، إلا أنه وبالرغم من وضعه باللغة الفرنسية، إذ كان لشيحا الدور الأبرز في وضعه لإلمامه باللغة الفرنسية، وبالرغم من أن هذا الأخير استوحى من دستور الجمهورية الثالثة بعضًا من أحكامه، كالتأكيد على الحريات العامة كحرية الرأي والتعبير، وحقوق المواطنين كتأكيد حق الملكية... إلا أنه نجح في عكس الواقع الاجتماعي والسياسي في وثيقة دستورية تضمن وجود آليات من شأنها إعطاء المؤسسات الدستورية المرونة الكافية لتلافي تعطيلها عند كل استحقاق.

أما أبرز الأحكام التي يتميز بها دستور 1926 عن دستور الجمهورية الثالثة والتي يمكن اعتبارها من ركائز النظام اللبناني إلى جانب واجب احترام الحريات العامة وحقوق المواطنين، فهي كالآتي:

أولاً: صلاحيات رئيس الجمهورية

بالرغم من أن الصلاحيات التي كانت معطاة لرئيس الجمهورية كانت جدّ واسعة وقد أدت أحيانًا إلى بعض الإشكالات، إلا أنها خولت رئيس الجمهورية لعب دور الحكم لتلافي التعطيل الذي نشهده حاليّاً في مؤسساتنا الدستورية، عندما أناط اتفاق الطائف السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعًا، من دون وضع آلية دستورية كفيلة بتأمين انتظام الحكم. وهذا ما أتاح تدخلات خارجية لإيجاد تسويات في حالات الأزمات الوطنية الحادة.

ثانياً: الديمقراطية التوافقية

تبلورت نظرية “الديمقراطية التوافقية” كما نعرفها اليوم في سبعينيات القرن الماضي وقد وضع أسسها المفكر السياسي أرنت ليبهارت. تقوم هذه النظرية على اعتبار أن المجتمعات المركَبة لا يمكن أن يستقيم الحكم فيها إذا قامت على (sociétés plurales) المبدأ الذي يحكم المجتمعات المتجانسة اجتماعيّاً ألا وهي قاعدة وإنما تقوم على مبدأ الوفاق(compétition) التنافس بين شرائح المجتمع المتعددة. ففي المجتمعات(consensus) المتجانسة تتغير الحدود الفاصلة بين الموالاة والمعارضة تبعًا لتغير أولويات الشعوب، أما في المجتمعات المركبَة فالحدود هي ثابتة لثبات الهوية الدينية، الإثنية واللغوية لدى الشعوب. ففي الحالة الأولى تتوالى المعارضة والموالاة على الحكم، أما في الحالة الثانية فالموالاة تبقى موالاة والمعارضة تبقى معارضة إذا ما طبقت قاعدة التنافس.

"ديمقراطية توافقية" أو"نظام طائفي" كلها تسميات لنظام سياسي كان هدفه الأساسي احترام التنوع اللبناني وفي الوقت نفسه، وككل الأنظمة، فُرِضَ احترام أبسط القواعد والقوانين التي تؤمّ نِ احترام سيادة الدولة من قبل القادة السياسيين في العلاقات الدولية ومحاربة الزبائنية والفساد في السياسة الداخلية. فإذا تمعنا في أفكار ميشال شيحا نراه يحذر من مخاطر الطائفية إذا لم يتم العمل على تقوية الحس بالانتماء الوطني، واحترام الإنسان الآخر أيّاً يكن انتماؤه، ”تنزاح عنا صفة الأعضاء في طائفة )بالمعنى الضيق الذي يعطى لكلمة طائفة في الشرق الأدنى(  ونستحق صفة المواطنين في هذه البلاد بقدر ما نكترث مباشرة لحياة الدولة... لا يمكن مداواة الفوضى الطائفية والاجتماعية في لبنان بالتجاهل المقصود لما ينتمي إلى حقل السياسة، وكل ما تربحه الفكرة الطائفية، فالأمة هي التي تخسره. في المقابل، لا يسع ما تربحه الأمة إلا أن يساعد في التخفيف، على الصعيد الطائفي، من . الفوضى التي نحن شهودها الحزانى” 6

ولما كان لبنان، كما يعتبره البعض، من أكثر البلدان ملاءمة لوضع نظرية الديمقراطية التوافقية موضع االتنفيذ والاختبار، فإنه بالتالي لا يحكم إلا بالتوافق والتوازنات. فالتوافق هو الذي يوطّدِ العيش المشترك بين اللبنانيين"ليس لنا هاهنا إلا ماضٍ واحد وتاريخ واحد، وعلينا أيضًا أن نجعل في أسمى مقام في نفوسنا تكوين إرادة مشتركة بيننا، هي إرادة العيش سوية وتوفير السعادة بعضنا لبعض. فلا يمكن أن توجد حقيقة سياسية وعملية غير هذه7.  أما التوازن فيشترط وجود مجلس نيابي يكون حاضنًا للنقاش والحوار.

ثالثاً: دور المجلس النيابي كملتقى للحوار والنقاش

يشترط لتحقيق التوازن في السياسة الداخلية وجود مجلس نيابي تتمثل فيه جميع مكونات المجتمع اللبناني "معلوم أننا من القائلين، بأعلى الصوت، بأنه لما كان لبنان مكونًا من أقليات طائفية فإنه لا غنى عن قيام توازن دائم بينها ليبقى لبنان على قيد الحياة. هذا .... التوازن مكانه التمثيل القومي أي المجلس" 8

صحيح أن ما يميز الأنظمة الديمقراطية وجود المجالس النيابية إذ إنها سلطة منتخبة وهي تمثل فئات الشعب كافة، هي سلطة تشريعية كما لديها مهمة مراقبة السلطة التنفيذية. أما في لبنان فيكتسي المجلس النيابي أهمية قصوى إذ إنه ملتقى حوار لجميع فئات الشعب."إن كانت توجد في لبنان مؤسسة ضرورية فهي مجلس النواب. ولا نقول هذا كرمى لعيني الديمقراطية، بل لأن لبنان بلاد لطوائف متشاركة (لا تشكل أي منها الأكثرية، على كل حال)"9.  ولكن أهمية مجلس النواب في لبنان لا تقتصر على إقامة التوازن والتعاون في ما بين السلطات ولكنه يحصر النقاش ضمن مجلس منتخب مستمد شرعيته من الشعب ويبعده بذلك عن "المجالس المليّة"

  1. استمرارية فكر ميشال شيحا

أما على الصعيد الدستوري فإننا نلاحظ استمرارية فكر ميشال شيحا في الحياة السياسية بالرغم من التعديلات الدستورية المتلاحقة:

إن تعديلات 1943 التي ألغت جميع المواد المتعلقة بالانتداب كما وتعديلات 1990 المستوحاة من اتفاق الطائف لم تمس روحية دستور 1926 ، فأبقت على خطوطه العريضة: النظام لا يزال جمهوريّاَ برلمانيّاً يعتمد مبادئ الديمقراطية التوافقية ويعتمد على فصل السلطات والتعاون في ما بينها، كما يؤكد على العيش المشترك وعلى عدم شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك (الفقرة ي من مقدمة الدستور)، إلا أنه وفي الوقت نفسه ألغى مرجعية تكون هي الحكم الدستوري وجعل سلطة الفصل خارج البلاد. فقد"نصَّب الطائف المراجع في معاقل مغلقة بحيث تبقى مفاتيح هذه المعاقل في مرجعية خارجة عن الدستور وخارجة عن المجتمع بل خارجة عن الأمة" 10 (هذا لا يعني أننا مع التمسك بالصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية وإنما مع ايجاد مرجع يكون الحكم الدستوري).

أما بالنسبة لدور مجلس النواب فنحن نراه يتقلص بموازاة الدور القوي الذي تلعبه السلطة الإجرائية والتي أصبحت بدورها في بعض الأحيان، مجلسًا نيابيًّا مصغرًا أما الأخطر فهو تقلص دور مجلس النواب كملتقى  .( mini Parlement ) للحوار وأصبحت “طاولات الحوار المتعاقبة” تأخذ على عاتقها هذه المهمة.

أما بالنسبة للديمقراطية التوافقية، فإن اللبنانيين قد أساؤوا استعمال مبادئها. فهي ككل نظام تفترض وجود قوانين وضوابط تسهم في خلق توازنات بين الشرائح المختلفة المكونة للمجتمع. فالديمقراطية التوافقية، وإن كانت تشوبها بعض الشوائب، لا تتعارض وقيم دولة الحق ولا تبيح عدم احترام القوانين...

منذ بداية عمله السياسي والذي تزامن مع تفكك السلطنة العثمانية ومطالبة شعوب المنطقة بقيام دول تحفظ حقوقهم وحرياتهم، ناضل ميشال شيحا من أجل إنشاء كيان لبناني مستقل عن الكيانات القريبة، وقد استطاع بذلك أن يخلق عقيدة وطنية متماسكة أسهمت في بناء لبنان الحديث. ناضل هذا المفكر من أجل قيام نظام "طائفي"  يحترم وجود تعددية طائفية ويكفل حريات كل طائفة وتمثيلها الصحيح في المجلس النيابي في جوّ من التوافق في حين كانت الدول المجاورة قد استعانت بفكرة القومية العربية من أجل خلق هوية وطنية بالقوة. أما على صعيد الحياة اليومية للبناني فقد دعا ميشال شيحا إلى تخطي حالة التبعية والإقطاعية التي يرزح تحتها اللبنانيون للعبور إلى حالة المواطنة حيث الهوية اللبنانية تغلب الانتماء الطائفي "والحال أن الحس السليم يقضي، في بلاد مثل بلادنا، أن ينمو التنظيم السياسي وأن يتقهقر الجهاز الإقطاعي. وما نسميه الإقطاع هاهنا إنما هو هذا الضرب من الاستزلام الذي لا يبقي عليه إلا جهل عميق بوقائع الحياة السياسية الحديثة والذي لا يبقي على شيء من شخصية الفرد" 11 . إلا أنه في النهاية لا يمكننا إلا وأن نلفت النظر إلى الأمور الآتية: إن الدعوة إلى احترام "العائلات الروحية"  قد أمست في نهاية المطاف تدخلاً من قبل الطوائف في الحياة السياسية اللبنانية وقد أدت إلى تمسك رؤساء الطوائف بامتيازاتهم فارضين بذلك على النظام اللبناني احترام الحقوق الجماعية على الحقوق الفردية، ما حال دون تحوُّل "النظام المؤقت"  إلى دولة مدنية يتساوى فيها جميع المواطنين أمام القانون وفي الوظائف العامة. إن الخوف من انتقال الحوار إلى المساحة الطائفية أصبح واقعًا لا بل أصبح من مميزات المجتمع اللبناني بحيث إن النظام الطائفي ولّد من الفساد والزبائنية وعدم المساءلة ما يهدد النظام بأكمله

Bibliographie

  • Chiha Michel, "Liban d’Aujourd’hui "(1942), 2e édition, Éditions du Trident, Beyrouth, 1961.
  • Lijphart Arend, "Democracy in Plural societies: A comparative Exploration", New Haven and London University Press,1977.
  • "Michel Chiha, 1891-1954," Claude Doumet Serhal avec la collaboration de Michèle Hélou Nahas, Fondation Michel Chiha, Beyrouth 2001
  • Messara Antoine, "Les chances de survie du système consociatif libanais; d’une consociation sauvage à un modèle consociatif rationnalisé, dans la société de concordance". Publications de l’Université Libanaise, Beyrouth 1986.
  •  Safi Hani, »La conception du Liban dans les écrits de Michel Chiha«, Beyrouth, 2000.
  • إميل بجاني،"قراءة في الميثاق: ميشال شيحا"، دار النهار للنشر،2009
  • ميشال شيحا، “في السياسة الداخلية”، ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر

بعض مواد الدستور اللبناني بخط ميشال شيحا

l

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. فقد وصفه جورج قرم بكونه صورة مصغرة microcosme عن السلطنة العثمانية التي كانت تضم أقاليم متعددة وشعوباً وطوائف كثيرة. 
  2. ميشال شيحا " في السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 20 ،
  3. ميشال شيحا " في السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 183 ،
  4. M. Chiha, "Liban d’Aujourd’hui" (1942), 2e édition, Editions du Trident, Beyrouth, 1961, pp. 59-60-61
  5. Safi Hani," La conception du Liban dans les écrits de Michel Chiha, Beyrouth, 2000, p.15.
  6. ميشال شيحا ، "السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 22 ،
  7. ميشال شيحا ، "السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 9
  8. ميشال شيحا ، "السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 7
  9. lيشال شيحا، "السياسة الداخلية" ترجمة أحمد بيضون، مقدمة غسان تويني، دار النهار للنشر، ص 95 ،
  10. غسان تويني، النهار، العدد 21247 تاريخ 29 نيسان 2002 ، نقلاً عن إميل بجاني “قراءة في الميثاق: ميشال شيحا” دار النهار للنشر، 2009 ص. 29
  11. ميشال شيحا، “في السياسة الداخلية”، دار النهار، ترجمة أحمد بيضون، ص 143