واقع اللّغة العربية وسبل ترقيتها في وسائل الإعلام المكتوبة‏‏ (الصّحافة)

زينب محمود عثمان

لم تكن اللّغة العربية يومًا مادّة جافّة أو كيانًا هامدًا لا يؤول نحو الاستمرار والتجديد، بل إنها أشبه ما يكون بالكائن الحيّ الذي ينمو ويتطوّر ويتعرّض من حين إلى آخر للانكسار والمرض. والخوف الأكبر في حالتنا اليوم يكمن في تقاعس الناطقين باللّغة الأم عن التصدّي لطاعون الانحلال اللّغوي وبالتالي الإستسلام للركود الحضاري والمعرفي. بإمكاننا تسويغ الأسباب المباشرة وغير المباشرة للضّعف العامّ في اللّغة العربيّة، عبر مختلف الأطر المرتبطة بنشأة هذه اللّغة. إلا أن واقع اللّغة المتقهقر ومستوى الانحدار الذي آلت إليه الأمور،لا يبشّر بخير. فهل باستطاعة الصّحافة المكتوبة اليوم تثبيت دعائم الّلغة العربية وإحداث نقلة نوعية في مسار تطويرها؟
 

أهمية الصّحافة والدور الذي تؤدّيه في عملية النهوض باللّغة العربية

ليس من المبالغة في شيء إذا قلنا بأنّ الصحافة المكتوبة تمثّل الأداة الحديثة لإحياء اللّغة العربية ونشرها. وممّا لا شكّ فيه أنّ الوسائط المكتوبة من صحف ومجلات، توفّر انتشار اللّغة بشكلٍ سليم وتضمن الألفة في سماعها، لذا وجب الاهتمام بلغة الصّحافة نظراً لكونها الشّاهد الأوّل على حيوية اللّغة العربية، التي قد أصابها قدر كبير من الإهمال ومن تدني الإلمام بها.

 أثر الصّحافة المكتوبة في تقويض دعائم اللّغة العربيّة :

تؤدي الصّحافة المكتوبة، أولى وسائل الإعلام ظهورًا في العالم العربي، دورًا مهمًّا في نشر الوعي الاجتماعيّ والعلميّ والسياسيّ بين أفراد المجتمع، فضلاً عن كونها أسلوبًا تواصليًّا بين مختلف الحضارات والشعوب. ومن أهمّ خصائص الصّحافة، الاستمرارية المنتظمة والسّرعة في نقل الحدث،  ولأجل ذلك اتّجهت اللّغة الصّحفية، مذ وُجِدت، إلى النّزعة الوظائفيّة الإخباريّة، أكثر ممّا اعتنت بالوجهة الجماليّة الكامنة في اللّغة. وربّما اعتُبِرَت هذه النزعة من ميزات الصّحافة، حيث استطاعت بسببها أن تنشئ لغة تجمع بين فصاحة العبارة وسهولتها، فقرّبت الفصحى من أذهان العامّة. لكنّ تلك السّهولة والبساطة قد جنحتا في كثير من الأحيان نحو الخطأ، حتى تعدّدت عثرات اللّغة الصّحفية، وجنت على اللّغة الفصحى.

في الميدان الصّحافي:

كثيرًا ما يخطئ كتّاب الأخبار والمقالات في نصوصهم التي يكتبونها ويستخدمون كلمات في غير مكانها الصحيح، لأن بعضهم يجهل أصول اللّغة ومعاني الكلمات، وآخرون يستسهلون المعاني الدارجة في العامية ليضعوها محل الفصحى الصحيحة.

من أهمّ العثرات والأخطاء الشائعة في كتابات الصّحافيين:

 1- إسقاط الألفاظ العاميّة على محتوى الصّحف والمجلاّت، وهذا من أعظم ما جنته الصّحافة على الفصحى، لأنّه في شيوع الألفاظ والأساليب العاميّة في الصّحافة تكريس لها في أوساط المجتمع من جهة، ودفن للّفظ الفصيح من جهة أخرى.

 وحجّة المحرّرين في استخدام العامية أنّهم يطلبون الأسهل والأقرب لفهم القرّاء، لكن ليت الأمر يقتصر على هذه المصطلحات! بل إنه يتعدّاه إلى كتابة مقالات كاملة باللّهجة العامية، وتُذيّل هذه المقالات بأسماء كبار الكّتاب والأدباء في العالم العربي. كما تمتلئ صفحات الجرائد والمجلات بالإعلانات المصوغة بلهجة عامية، والدليل على ذلك، أن أغلب مجلات الأطفال يصاغ محتواها بالعامية، مع أنّه من المفترض بهذه المجلات أن تمثل إحدى وسائل ترسيخ اللّغة العربية الفصحى لدى الناشئة، وأن تقرّبهم منها وتشجّعهم على استعمالها.

 2- الابتعاد عن الرقيّ في أساليب الخطاب الإعلامي والكتابة الصّحافية مع شيوع الأخطاء النحوية والأساليب اللّغوية الركيكة. وباستطاعتنا أن نعمّم تلك الأخطاء على أغلب الوسائل الإعلامية العربية المكتوبة والمسموعة. ولا بد هنا من ذكر احد أهم الأسباب القابعة خلف الشرود المهني ضمن آلية كتابة أي خبر. فالخطأ الرئيس يكمن في توصيف  لغة الإعلام كأسلوب يندرج ضمن آلية الكتابة الصّحافية، وبالتّالي تحريرها من القواعد النّحوية والصّرفية، وفقًا لذريعة استنادها إلى الأحداث الفجائيّة. إذ إنّ انتشار الوسيلة الإعلاميّة وتغطيتها مساحات شاسعة يحتّم عليها أن تبحث عن الرّقيّ في خطابها الإعلاميّ، حتى تكون إحدى أدوات النّهوض بلغة الإعلام.

3- اللجوء إلى سبغ الألفاظ وتكرارها في سياق كتابة الخبر الصّحفي. ففي اللّغة الإعلاميّة عمومًا، واللّغة الصّحفية

على وجه الخصوص، هناك ما يمكن تسميته بالقوالب الجاهزة التي تصبّ فيها المادة الصّحفيّة، فلو تتبعّنا طريقة كتابة خبر معيّن في عدد من الصّحف، فسنجد أنّ صياغة الخبر تكاد تكون متماثلة من حيث المفردات المستخدمة، والأساليب التعبيريّة، في أغلب هذه الصحف. ولكون اللّغة الإعلاميّة تتطلّب الوضوح والبعد عن الألفاظ المبهمة والأساليب الغامضة، فإن ذلك لا يعني أن يلجأ المحرّر دائمًا إلى الألفاظ نفسها والصّياغة المعتادة.

أسباب الخطأ اللّغوي في الصّحافة المكتوبة :

أ- الضّعف العامّ الّذي يعاني منه الجيل الجديد، والذي لا ينجو منه سوى القليل.

ب- الأخطاء اللّغوية النّاتجة من التّرجمة الارتجاليّة الّتي يقوم بها العديد من الصّحافيّين، حيث يظهر المصطلح المترجم ركيكًا وبعيدًا كل البعد من المعنى المحتمل إيصاله.

ج - غياب القوانين الخاصَّة بحماية اللُّغة العربيَّة.

د- الفشل الذّريع في استعمال علامات الوقف والتّرقيم، ولعلّ ذلك  يرجع إلى جهل بعض الصّحافيين ببناء الجملة.

ه- التّأثير الواضح للّغة المنطوقة في اللّغة المكتوبة.

و- عدم تطوير مناهج اللّغة العربيّة في الاختصاصات كافّة ، وفي كليّات الإعلام بشكلٍ خاصّ.

    لا تظهر المخاوف فعليًّا إلا بعد الاطّلاع على النتائج التي توصّل إليها بعض المفكّرين الذين  أشاروا إلى موت اللّغة بالمعنى الوضعي للكلمة أي الانقراض النهائي من الوجود.هذا الزوال المنوط بفترة زمنية لن تزيد عن بضعة عقود لاحقة تتبدّى وراء أسوارها ملامح النهوض بلغة عربية متينة. السّؤال الّذي يفرض نفسه الآن: ما هو العلاج؟ إذ لا يكفي أن نعدّد أعراض المرض ونحذّر من عواقبه الوخيمة، ثمّ لا نصف علاجًا ولا نتلمّس طريقًا للخلاص.

أساليب النّهوض باللّغة وكيفيّة تطويرها:

في ما يأتي  مقترحات عمليّة فى إطار تصوّر متعدّد الأوجه للارتقاء باللّغة العربيّة من خلال وسائل الإعلام وتحديدًا الصّحافة المكتوبة:

أ- دعوة القائمين على الإعلام والصّحافة للعمل على تعميم العربية الفصحى كلغة أساسية لجميع وسائل الإعلام العربية.

ب- إدراج مادة قواعد اللّغة العربية وعلم الدلالات في المقرّر الدراسي لكلّيات الإعلام.

ج- إصدار قواميس تتعلّق بالخصوصيات اللّغوية لكل المؤسسات الإعلامية.

د- تفعيل التعاون بين أقسام اللُّغة العربيَّة في الجامعات من ناحية، والهيئات الرسمية للدولة ووسائل الإعلام من ناحية ثانية.

ه- تنظيم مهنة المصّححين اللّغويين للمقالات الصّحفية وإنشاء نقابة خاصة بهم .

  بناءً لما تقدّم، فإنّ المطلوب من وسائلنا الإعلاميّة، والصّحافة المكتوبة على وجه الخصوص، كثير وكبير. إلا أن الكلام وحده لن يُجديَ نفعًا، إن لم يدرك القائمون على هذه الوسائل عظم الجرم الذي يقعون فيه، لأنّ إدراك الخطأ هو أهمّ خطوات الإصلاح. لذا علينا أن نحارب غزو العاميّة للصحف والمجلاّت والقنوات، ثم تجريم كلّ من يتحدّث أو يكتب بها في أيّ وسيلة إعلاميّة كانت، وبالتالي إلزام الإعلام برفض الإعلانات التّجارية المصوغة بالعاميّة أو بلغة أجنبيّة، وعدم بثّها أو نشرها حتى تحوّل إلى الفصحى. فلنعمل تحت راية احتضان مآثر اللّغة من جديد في سبيل الحفاظ على الإرث الفكري والحضاري للعرب.

واقع اللّغة العربية وسبل ترقيتها في وسائل الإعلام المكتوبة‏‏ (الصّحافة)

زينب محمود عثمان

لم تكن اللّغة العربية يومًا مادّة جافّة أو كيانًا هامدًا لا يؤول نحو الاستمرار والتجديد، بل إنها أشبه ما يكون بالكائن الحيّ الذي ينمو ويتطوّر ويتعرّض من حين إلى آخر للانكسار والمرض. والخوف الأكبر في حالتنا اليوم يكمن في تقاعس الناطقين باللّغة الأم عن التصدّي لطاعون الانحلال اللّغوي وبالتالي الإستسلام للركود الحضاري والمعرفي. بإمكاننا تسويغ الأسباب المباشرة وغير المباشرة للضّعف العامّ في اللّغة العربيّة، عبر مختلف الأطر المرتبطة بنشأة هذه اللّغة. إلا أن واقع اللّغة المتقهقر ومستوى الانحدار الذي آلت إليه الأمور،لا يبشّر بخير. فهل باستطاعة الصّحافة المكتوبة اليوم تثبيت دعائم الّلغة العربية وإحداث نقلة نوعية في مسار تطويرها؟
 

أهمية الصّحافة والدور الذي تؤدّيه في عملية النهوض باللّغة العربية

ليس من المبالغة في شيء إذا قلنا بأنّ الصحافة المكتوبة تمثّل الأداة الحديثة لإحياء اللّغة العربية ونشرها. وممّا لا شكّ فيه أنّ الوسائط المكتوبة من صحف ومجلات، توفّر انتشار اللّغة بشكلٍ سليم وتضمن الألفة في سماعها، لذا وجب الاهتمام بلغة الصّحافة نظراً لكونها الشّاهد الأوّل على حيوية اللّغة العربية، التي قد أصابها قدر كبير من الإهمال ومن تدني الإلمام بها.

 أثر الصّحافة المكتوبة في تقويض دعائم اللّغة العربيّة :

تؤدي الصّحافة المكتوبة، أولى وسائل الإعلام ظهورًا في العالم العربي، دورًا مهمًّا في نشر الوعي الاجتماعيّ والعلميّ والسياسيّ بين أفراد المجتمع، فضلاً عن كونها أسلوبًا تواصليًّا بين مختلف الحضارات والشعوب. ومن أهمّ خصائص الصّحافة، الاستمرارية المنتظمة والسّرعة في نقل الحدث،  ولأجل ذلك اتّجهت اللّغة الصّحفية، مذ وُجِدت، إلى النّزعة الوظائفيّة الإخباريّة، أكثر ممّا اعتنت بالوجهة الجماليّة الكامنة في اللّغة. وربّما اعتُبِرَت هذه النزعة من ميزات الصّحافة، حيث استطاعت بسببها أن تنشئ لغة تجمع بين فصاحة العبارة وسهولتها، فقرّبت الفصحى من أذهان العامّة. لكنّ تلك السّهولة والبساطة قد جنحتا في كثير من الأحيان نحو الخطأ، حتى تعدّدت عثرات اللّغة الصّحفية، وجنت على اللّغة الفصحى.

في الميدان الصّحافي:

كثيرًا ما يخطئ كتّاب الأخبار والمقالات في نصوصهم التي يكتبونها ويستخدمون كلمات في غير مكانها الصحيح، لأن بعضهم يجهل أصول اللّغة ومعاني الكلمات، وآخرون يستسهلون المعاني الدارجة في العامية ليضعوها محل الفصحى الصحيحة.

من أهمّ العثرات والأخطاء الشائعة في كتابات الصّحافيين:

 1- إسقاط الألفاظ العاميّة على محتوى الصّحف والمجلاّت، وهذا من أعظم ما جنته الصّحافة على الفصحى، لأنّه في شيوع الألفاظ والأساليب العاميّة في الصّحافة تكريس لها في أوساط المجتمع من جهة، ودفن للّفظ الفصيح من جهة أخرى.

 وحجّة المحرّرين في استخدام العامية أنّهم يطلبون الأسهل والأقرب لفهم القرّاء، لكن ليت الأمر يقتصر على هذه المصطلحات! بل إنه يتعدّاه إلى كتابة مقالات كاملة باللّهجة العامية، وتُذيّل هذه المقالات بأسماء كبار الكّتاب والأدباء في العالم العربي. كما تمتلئ صفحات الجرائد والمجلات بالإعلانات المصوغة بلهجة عامية، والدليل على ذلك، أن أغلب مجلات الأطفال يصاغ محتواها بالعامية، مع أنّه من المفترض بهذه المجلات أن تمثل إحدى وسائل ترسيخ اللّغة العربية الفصحى لدى الناشئة، وأن تقرّبهم منها وتشجّعهم على استعمالها.

 2- الابتعاد عن الرقيّ في أساليب الخطاب الإعلامي والكتابة الصّحافية مع شيوع الأخطاء النحوية والأساليب اللّغوية الركيكة. وباستطاعتنا أن نعمّم تلك الأخطاء على أغلب الوسائل الإعلامية العربية المكتوبة والمسموعة. ولا بد هنا من ذكر احد أهم الأسباب القابعة خلف الشرود المهني ضمن آلية كتابة أي خبر. فالخطأ الرئيس يكمن في توصيف  لغة الإعلام كأسلوب يندرج ضمن آلية الكتابة الصّحافية، وبالتّالي تحريرها من القواعد النّحوية والصّرفية، وفقًا لذريعة استنادها إلى الأحداث الفجائيّة. إذ إنّ انتشار الوسيلة الإعلاميّة وتغطيتها مساحات شاسعة يحتّم عليها أن تبحث عن الرّقيّ في خطابها الإعلاميّ، حتى تكون إحدى أدوات النّهوض بلغة الإعلام.

3- اللجوء إلى سبغ الألفاظ وتكرارها في سياق كتابة الخبر الصّحفي. ففي اللّغة الإعلاميّة عمومًا، واللّغة الصّحفية

على وجه الخصوص، هناك ما يمكن تسميته بالقوالب الجاهزة التي تصبّ فيها المادة الصّحفيّة، فلو تتبعّنا طريقة كتابة خبر معيّن في عدد من الصّحف، فسنجد أنّ صياغة الخبر تكاد تكون متماثلة من حيث المفردات المستخدمة، والأساليب التعبيريّة، في أغلب هذه الصحف. ولكون اللّغة الإعلاميّة تتطلّب الوضوح والبعد عن الألفاظ المبهمة والأساليب الغامضة، فإن ذلك لا يعني أن يلجأ المحرّر دائمًا إلى الألفاظ نفسها والصّياغة المعتادة.

أسباب الخطأ اللّغوي في الصّحافة المكتوبة :

أ- الضّعف العامّ الّذي يعاني منه الجيل الجديد، والذي لا ينجو منه سوى القليل.

ب- الأخطاء اللّغوية النّاتجة من التّرجمة الارتجاليّة الّتي يقوم بها العديد من الصّحافيّين، حيث يظهر المصطلح المترجم ركيكًا وبعيدًا كل البعد من المعنى المحتمل إيصاله.

ج - غياب القوانين الخاصَّة بحماية اللُّغة العربيَّة.

د- الفشل الذّريع في استعمال علامات الوقف والتّرقيم، ولعلّ ذلك  يرجع إلى جهل بعض الصّحافيين ببناء الجملة.

ه- التّأثير الواضح للّغة المنطوقة في اللّغة المكتوبة.

و- عدم تطوير مناهج اللّغة العربيّة في الاختصاصات كافّة ، وفي كليّات الإعلام بشكلٍ خاصّ.

    لا تظهر المخاوف فعليًّا إلا بعد الاطّلاع على النتائج التي توصّل إليها بعض المفكّرين الذين  أشاروا إلى موت اللّغة بالمعنى الوضعي للكلمة أي الانقراض النهائي من الوجود.هذا الزوال المنوط بفترة زمنية لن تزيد عن بضعة عقود لاحقة تتبدّى وراء أسوارها ملامح النهوض بلغة عربية متينة. السّؤال الّذي يفرض نفسه الآن: ما هو العلاج؟ إذ لا يكفي أن نعدّد أعراض المرض ونحذّر من عواقبه الوخيمة، ثمّ لا نصف علاجًا ولا نتلمّس طريقًا للخلاص.

أساليب النّهوض باللّغة وكيفيّة تطويرها:

في ما يأتي  مقترحات عمليّة فى إطار تصوّر متعدّد الأوجه للارتقاء باللّغة العربيّة من خلال وسائل الإعلام وتحديدًا الصّحافة المكتوبة:

أ- دعوة القائمين على الإعلام والصّحافة للعمل على تعميم العربية الفصحى كلغة أساسية لجميع وسائل الإعلام العربية.

ب- إدراج مادة قواعد اللّغة العربية وعلم الدلالات في المقرّر الدراسي لكلّيات الإعلام.

ج- إصدار قواميس تتعلّق بالخصوصيات اللّغوية لكل المؤسسات الإعلامية.

د- تفعيل التعاون بين أقسام اللُّغة العربيَّة في الجامعات من ناحية، والهيئات الرسمية للدولة ووسائل الإعلام من ناحية ثانية.

ه- تنظيم مهنة المصّححين اللّغويين للمقالات الصّحفية وإنشاء نقابة خاصة بهم .

  بناءً لما تقدّم، فإنّ المطلوب من وسائلنا الإعلاميّة، والصّحافة المكتوبة على وجه الخصوص، كثير وكبير. إلا أن الكلام وحده لن يُجديَ نفعًا، إن لم يدرك القائمون على هذه الوسائل عظم الجرم الذي يقعون فيه، لأنّ إدراك الخطأ هو أهمّ خطوات الإصلاح. لذا علينا أن نحارب غزو العاميّة للصحف والمجلاّت والقنوات، ثم تجريم كلّ من يتحدّث أو يكتب بها في أيّ وسيلة إعلاميّة كانت، وبالتالي إلزام الإعلام برفض الإعلانات التّجارية المصوغة بالعاميّة أو بلغة أجنبيّة، وعدم بثّها أو نشرها حتى تحوّل إلى الفصحى. فلنعمل تحت راية احتضان مآثر اللّغة من جديد في سبيل الحفاظ على الإرث الفكري والحضاري للعرب.

واقع اللّغة العربية وسبل ترقيتها في وسائل الإعلام المكتوبة‏‏ (الصّحافة)

زينب محمود عثمان

لم تكن اللّغة العربية يومًا مادّة جافّة أو كيانًا هامدًا لا يؤول نحو الاستمرار والتجديد، بل إنها أشبه ما يكون بالكائن الحيّ الذي ينمو ويتطوّر ويتعرّض من حين إلى آخر للانكسار والمرض. والخوف الأكبر في حالتنا اليوم يكمن في تقاعس الناطقين باللّغة الأم عن التصدّي لطاعون الانحلال اللّغوي وبالتالي الإستسلام للركود الحضاري والمعرفي. بإمكاننا تسويغ الأسباب المباشرة وغير المباشرة للضّعف العامّ في اللّغة العربيّة، عبر مختلف الأطر المرتبطة بنشأة هذه اللّغة. إلا أن واقع اللّغة المتقهقر ومستوى الانحدار الذي آلت إليه الأمور،لا يبشّر بخير. فهل باستطاعة الصّحافة المكتوبة اليوم تثبيت دعائم الّلغة العربية وإحداث نقلة نوعية في مسار تطويرها؟
 

أهمية الصّحافة والدور الذي تؤدّيه في عملية النهوض باللّغة العربية

ليس من المبالغة في شيء إذا قلنا بأنّ الصحافة المكتوبة تمثّل الأداة الحديثة لإحياء اللّغة العربية ونشرها. وممّا لا شكّ فيه أنّ الوسائط المكتوبة من صحف ومجلات، توفّر انتشار اللّغة بشكلٍ سليم وتضمن الألفة في سماعها، لذا وجب الاهتمام بلغة الصّحافة نظراً لكونها الشّاهد الأوّل على حيوية اللّغة العربية، التي قد أصابها قدر كبير من الإهمال ومن تدني الإلمام بها.

 أثر الصّحافة المكتوبة في تقويض دعائم اللّغة العربيّة :

تؤدي الصّحافة المكتوبة، أولى وسائل الإعلام ظهورًا في العالم العربي، دورًا مهمًّا في نشر الوعي الاجتماعيّ والعلميّ والسياسيّ بين أفراد المجتمع، فضلاً عن كونها أسلوبًا تواصليًّا بين مختلف الحضارات والشعوب. ومن أهمّ خصائص الصّحافة، الاستمرارية المنتظمة والسّرعة في نقل الحدث،  ولأجل ذلك اتّجهت اللّغة الصّحفية، مذ وُجِدت، إلى النّزعة الوظائفيّة الإخباريّة، أكثر ممّا اعتنت بالوجهة الجماليّة الكامنة في اللّغة. وربّما اعتُبِرَت هذه النزعة من ميزات الصّحافة، حيث استطاعت بسببها أن تنشئ لغة تجمع بين فصاحة العبارة وسهولتها، فقرّبت الفصحى من أذهان العامّة. لكنّ تلك السّهولة والبساطة قد جنحتا في كثير من الأحيان نحو الخطأ، حتى تعدّدت عثرات اللّغة الصّحفية، وجنت على اللّغة الفصحى.

في الميدان الصّحافي:

كثيرًا ما يخطئ كتّاب الأخبار والمقالات في نصوصهم التي يكتبونها ويستخدمون كلمات في غير مكانها الصحيح، لأن بعضهم يجهل أصول اللّغة ومعاني الكلمات، وآخرون يستسهلون المعاني الدارجة في العامية ليضعوها محل الفصحى الصحيحة.

من أهمّ العثرات والأخطاء الشائعة في كتابات الصّحافيين:

 1- إسقاط الألفاظ العاميّة على محتوى الصّحف والمجلاّت، وهذا من أعظم ما جنته الصّحافة على الفصحى، لأنّه في شيوع الألفاظ والأساليب العاميّة في الصّحافة تكريس لها في أوساط المجتمع من جهة، ودفن للّفظ الفصيح من جهة أخرى.

 وحجّة المحرّرين في استخدام العامية أنّهم يطلبون الأسهل والأقرب لفهم القرّاء، لكن ليت الأمر يقتصر على هذه المصطلحات! بل إنه يتعدّاه إلى كتابة مقالات كاملة باللّهجة العامية، وتُذيّل هذه المقالات بأسماء كبار الكّتاب والأدباء في العالم العربي. كما تمتلئ صفحات الجرائد والمجلات بالإعلانات المصوغة بلهجة عامية، والدليل على ذلك، أن أغلب مجلات الأطفال يصاغ محتواها بالعامية، مع أنّه من المفترض بهذه المجلات أن تمثل إحدى وسائل ترسيخ اللّغة العربية الفصحى لدى الناشئة، وأن تقرّبهم منها وتشجّعهم على استعمالها.

 2- الابتعاد عن الرقيّ في أساليب الخطاب الإعلامي والكتابة الصّحافية مع شيوع الأخطاء النحوية والأساليب اللّغوية الركيكة. وباستطاعتنا أن نعمّم تلك الأخطاء على أغلب الوسائل الإعلامية العربية المكتوبة والمسموعة. ولا بد هنا من ذكر احد أهم الأسباب القابعة خلف الشرود المهني ضمن آلية كتابة أي خبر. فالخطأ الرئيس يكمن في توصيف  لغة الإعلام كأسلوب يندرج ضمن آلية الكتابة الصّحافية، وبالتّالي تحريرها من القواعد النّحوية والصّرفية، وفقًا لذريعة استنادها إلى الأحداث الفجائيّة. إذ إنّ انتشار الوسيلة الإعلاميّة وتغطيتها مساحات شاسعة يحتّم عليها أن تبحث عن الرّقيّ في خطابها الإعلاميّ، حتى تكون إحدى أدوات النّهوض بلغة الإعلام.

3- اللجوء إلى سبغ الألفاظ وتكرارها في سياق كتابة الخبر الصّحفي. ففي اللّغة الإعلاميّة عمومًا، واللّغة الصّحفية

على وجه الخصوص، هناك ما يمكن تسميته بالقوالب الجاهزة التي تصبّ فيها المادة الصّحفيّة، فلو تتبعّنا طريقة كتابة خبر معيّن في عدد من الصّحف، فسنجد أنّ صياغة الخبر تكاد تكون متماثلة من حيث المفردات المستخدمة، والأساليب التعبيريّة، في أغلب هذه الصحف. ولكون اللّغة الإعلاميّة تتطلّب الوضوح والبعد عن الألفاظ المبهمة والأساليب الغامضة، فإن ذلك لا يعني أن يلجأ المحرّر دائمًا إلى الألفاظ نفسها والصّياغة المعتادة.

أسباب الخطأ اللّغوي في الصّحافة المكتوبة :

أ- الضّعف العامّ الّذي يعاني منه الجيل الجديد، والذي لا ينجو منه سوى القليل.

ب- الأخطاء اللّغوية النّاتجة من التّرجمة الارتجاليّة الّتي يقوم بها العديد من الصّحافيّين، حيث يظهر المصطلح المترجم ركيكًا وبعيدًا كل البعد من المعنى المحتمل إيصاله.

ج - غياب القوانين الخاصَّة بحماية اللُّغة العربيَّة.

د- الفشل الذّريع في استعمال علامات الوقف والتّرقيم، ولعلّ ذلك  يرجع إلى جهل بعض الصّحافيين ببناء الجملة.

ه- التّأثير الواضح للّغة المنطوقة في اللّغة المكتوبة.

و- عدم تطوير مناهج اللّغة العربيّة في الاختصاصات كافّة ، وفي كليّات الإعلام بشكلٍ خاصّ.

    لا تظهر المخاوف فعليًّا إلا بعد الاطّلاع على النتائج التي توصّل إليها بعض المفكّرين الذين  أشاروا إلى موت اللّغة بالمعنى الوضعي للكلمة أي الانقراض النهائي من الوجود.هذا الزوال المنوط بفترة زمنية لن تزيد عن بضعة عقود لاحقة تتبدّى وراء أسوارها ملامح النهوض بلغة عربية متينة. السّؤال الّذي يفرض نفسه الآن: ما هو العلاج؟ إذ لا يكفي أن نعدّد أعراض المرض ونحذّر من عواقبه الوخيمة، ثمّ لا نصف علاجًا ولا نتلمّس طريقًا للخلاص.

أساليب النّهوض باللّغة وكيفيّة تطويرها:

في ما يأتي  مقترحات عمليّة فى إطار تصوّر متعدّد الأوجه للارتقاء باللّغة العربيّة من خلال وسائل الإعلام وتحديدًا الصّحافة المكتوبة:

أ- دعوة القائمين على الإعلام والصّحافة للعمل على تعميم العربية الفصحى كلغة أساسية لجميع وسائل الإعلام العربية.

ب- إدراج مادة قواعد اللّغة العربية وعلم الدلالات في المقرّر الدراسي لكلّيات الإعلام.

ج- إصدار قواميس تتعلّق بالخصوصيات اللّغوية لكل المؤسسات الإعلامية.

د- تفعيل التعاون بين أقسام اللُّغة العربيَّة في الجامعات من ناحية، والهيئات الرسمية للدولة ووسائل الإعلام من ناحية ثانية.

ه- تنظيم مهنة المصّححين اللّغويين للمقالات الصّحفية وإنشاء نقابة خاصة بهم .

  بناءً لما تقدّم، فإنّ المطلوب من وسائلنا الإعلاميّة، والصّحافة المكتوبة على وجه الخصوص، كثير وكبير. إلا أن الكلام وحده لن يُجديَ نفعًا، إن لم يدرك القائمون على هذه الوسائل عظم الجرم الذي يقعون فيه، لأنّ إدراك الخطأ هو أهمّ خطوات الإصلاح. لذا علينا أن نحارب غزو العاميّة للصحف والمجلاّت والقنوات، ثم تجريم كلّ من يتحدّث أو يكتب بها في أيّ وسيلة إعلاميّة كانت، وبالتالي إلزام الإعلام برفض الإعلانات التّجارية المصوغة بالعاميّة أو بلغة أجنبيّة، وعدم بثّها أو نشرها حتى تحوّل إلى الفصحى. فلنعمل تحت راية احتضان مآثر اللّغة من جديد في سبيل الحفاظ على الإرث الفكري والحضاري للعرب.