اللّغة العربية المدرسية في لبنان من الكبوة إلى النهوض

صورة للأستاذ الياس مطر

أقصد الكلام على اللّغة العربية في مدارسنا اللبنانية لثلاثة أسباب هي:

  1. إن الكلام على اللّغة العربية بعامّة شأن من شؤون المجامع اللغوية فهي بها أدرى وعنايتها بها أَولى، ومسؤولياتها عنها أشملُ وأهمّ.
  2. إنّ الكلام على اللّغة العربية في مدارس الدول العربية يفترض الإلمام والإحاطة والتعيين وهذه جميعها فوق طاقتي عليها.
  3. إن الكلام على اللّغة العربية في مدارسنا اللبنانية بين الكبوة والنهوض لا يحتاج إلى أدلّة كثيرة يفترض أن يقّدمها معلّم من لبنان صرف ردحًا طويلاً من حياته بين تعليمها والإشراف على مناهجها والاشتراك في مجالات عدّة  من مجالات التأليف بها وتنقيح كتبها المدرسيّة وغير المدرسيّة والاشتراك في وضع مقرّراتها وتوجيه طرائق تعلّمها وتعليمها وسوى ذلك من شؤونها الكثر في التوصيف والإبداع.

وأسارع إلى القول إنه لمن الإنصاف الإقرار بجملة من الحقائق التي تزكيها الوقائع والتي تصبُّ كلّها في تزكية الفرص التي يتمتع بها تعليم اللّغة العربية وتعلّمها في لبنان. وهي فرص يفترض بها أن تسهم في نهوض اللّغة العربية المدرسية من كبوتها والعودة بها إلى الإمساك بناصية العربية والتباهي بامتلاكها والتمكّن منها ومن هذه الفرص عدًّا لا حصرًا:

  1. المستوى الثقافي المتقدم لأولياء الأمر، وقدرتهم على تقديم المساعدة لولدهم في البيت إذا احتاج إليها، وإن أعيتهم تلك المساعدة فإن لهم من أقربائهم وأصدقائهم ومن وسائل الاتصال المتعدّدة ما يعينهم على تلبية حاجة ولدهم.
  2. تمتع معلم اللّغة العربية في كل مرحلة من المراحل بأهلية طرائقية لم يكن يتمتّع بها معلّموه أو من سبقهم من المعلّمين. وقد أكسبته لغته الأجنبية فرنسية كانت أم إنكليزية إمكانية التثقف التربوي وتطوير أداءاته. ويتوضح ذلك بتخلّيه عن التلقين إلى الاستقراء وعن مجرّد التفسير إلى التحليل أي بخطواته في إدارة صفه وبسلامة معرفته.
  3. وفرة الوسائل التربوية السمعيّة البصرية وخدمات وسائل التواصل الإلكتروني وتدريب الأولاد على استخدامها في مدارسهم وقد انتشرت الألواح النشطة في معظم المدارس.
  4. توافر المكتبات المدرسيّة ومراكز التوثيق والمشرفين المتخصصيين عليها، الذين يقدّمون الإرشاد اللازم ويؤمّنون أفضل فرص التوجيه.
  5. محاولة تطوير المنهج اللبناني الخاص باللّغة العربية وآدابها وإن شابته شوائب عدّة قد يكون لظروف البلاد السلبية اليد الطولى فيها وفي تأخّر التعديل المستمر والتطوير الدائم الذي تعهّد به المركز التربوي للبحوث والإنماء.
  6. حيوية دور نشر الكتب المدرسية وتنافسها الإيجابي على أفضل إنتاج وأفضل الاختصاصيين في اللّغات والتربية وأساليب التقييم.
  7. وفرة " معدّي" الكتب المدرسية وسعيهم إلى التجديد وفاقًا لمتطلبات عقل المتعلّم وتجارب دول الغرب المتقدّمة ووضعها الاستراتيجيّات التربويّة. وبالرغم من وفرة هذه الفرص فإن ظاهرة التردّي ما تزال هي المسيطرة. وإذا كان الكلام الكثير قد قيل في الأسباب والنتائج، فإن الكلام القليل قد قيل في العلاجات المقترحة، وقد أسمح لنفسي بتقديم بعض الاقتراحات التي أعتقد بأنها قد توقف التردّي وتعيد إلى العربية في لبنان وهجها وألقها باعتبارها اللّغة الأم ولغة البلاد الرسميّة. ومن هذه الاقتراحات:

أوّلاً : مسؤوليّة الأهل.

من مسؤولية أولياء الأمر أن يبيّنوا لأولادهم أهمية اللّغة العربية ودورها في بناء شخصيتهم الثقافية وأثرها في مستقبلهم العمليّ بدلاً من الاستخفاف بهذه اللغة وذمّها والاستعاضة عنها بلغة أجنبية، بل من مسؤوليتهم أن يقرأوها مع أولادهم ويتحاوروا بها، ولا يحق لهم بحال من الأحوال أن يصفوها بالدونية كما يحصل في أحيان كثيرة. فاكتساب اللّغة الأم فضيلة وطنيّة وقوميّة وقيمة أولى تضاهي قيمة التمكن من لغة أجنبيّة أو أكثر وبروز الكتاب العربي في المكتبة المنزلية يقف على قدم المساواة مع بروز الكتاب الأجنبي فيها، فالعين التي تتعود الرؤية تغري اليد بتناول الكتاب وتصفحّه وقراءته.

ثانيا: مسؤوليّة المعلّم.

من مسؤولية المعلّم لا أن يُحسن صرف اللّغة، ونحوها وطرائق إيصالها، بل أن يجذب تلامذته بأسلوبه ونبرته وعمق تفكيره وسعة اطلاعه واتساع ثقافته وأن يحمل تلامذته على المباهاة به معلّمًا لهم والرغبة بمحاكاته والتمثل به. وأن يكون دانيًا منهم سائلاً إياهم ومشجّعهم ومنوّعًا لأنشطتهم الشفهيّة والخطيّة في النثر والشعر وفي المعرفة والتطبيق.

صحيح أن المعلّم ليس خزّان المعرفة ولا قطبها ولكنه البوصلة التي تهدي إلى الاتجاه الصحيح، مع الإشارة إلى أن مجتمعات غربية كثيرة قد اعتمدت التعلّم المنزلي عوضًا عن المدرسيّ مستفيدة من شبكات التواصل المتنوّعة. فعلى المعلّم أن يحسن تعيين الأهداف ويستطلع الكفايات ويشرك تلامذته فيها ويعرضها واحدةً واحدةً ويدعو إلى الاستقرار والتطبيق والتوظيف والإبداع. فضلاً عن التقييم ومعاييره وأنواعه ورعاية المطالعة وتوظيفها.

ثالثاً: مسؤوليّة المقرَّر.

طالما أن المقرَّر المدرسي في الأنظمة المدرسيّة اللبنانيّة كلّها هو مقرَّر مركزي إلزاميّ، فإن على المركز التربوي  للبحوث والإنماء صاحب القرار في وضع المنهج بعناوينه  الكبرى وتفصيلاته أن يضع هذا المنهج في ضوء حركة عقل المتعلّم وقدراته وفي ضوء الأهداف المتوخاة والكفايات الواجب تحقيقها، وأن يضعه متدرّجًا على المراحل عموديًّا وعلى سنوات كل مرحلة أفقيًّا وأن يواكبه باستمرار في " التقييم" والتعديل والتطوير والزيادة والحذف والتأليف المدرسيّ والحكم له أو عليه.

    لقد شكونا طويلًا من جمود المناهج ثم عدنا ووقعنا في مثله. وهنا لا بُدَّ من المطالبة:

أ - باعتبار اللّغة العربية وحدة فكريّة وكلاميّة لا فروعًا مستقلّة.

ب - إعداد كتاب واحد لكل فروع اللّغة العربية في السنة المنهجيّة الواحدة أي كتاب وظيفيّ لا يفرّق إلا شكليًّا بين القواعد والقراءة والإنشاء والإملاء والخط وسواها.

ج- اعتماد شكل موحّد لدفتر الخط العربيّ وهو الدفتر ذو السطر الواحد لا دفتر المربّعات ولا دفتر اللّغة الأجنبيّة.
ولا سيما أن الحروف الهابطة لا تتعدّى ما يختصره ( جمعه = ج م ع هـ). وبالتالي فرض اعتماد شكل طباعي واحد في كل الكتب المدرسية الصادرة عن أي دار نشر مدرسيّ.

د- استخدام الحرف العربي في الرسائل الإلكترونيّة وتطوير الكتابة الرقميّة لصيانة الحروف الهجائيّة الثمانية  والعشرين وضوابطها جميعًا.

 وعلى المركز التربوي للبحوث والإنماء أن يعود إلى مشروع اللّغة الأساسيّة الذي بدأ في أوائل السبعينيّات وجعله قاعدة المناهج والتأليف  المدرسي والتطوير المرتقب.

رابعاً: مسؤوليّة المدرسة.

  على المدرسة كل مدرسة أن تتقيّد بالساعات الرسميّة المقرّرة للّغة العربيّة وزيادتها إذا وجب الأمر. وأن تفرض على تلامذتها التقدّم من الشهادة الثانوية اللبنانيّة العامّة وعدم الاكتفاء بمُعادلة الشهادة الأجنبية كما هو حاصل في بعض المدارس وأن تعود إلى:

  • المجلة المدرسيّة باللّغة العربيّة إلى جانب اللّغة الأجنبيّة .
  • جائزة التفوّق باللّغة العربيّة كمحفّز ومشجّع.
  • الندوة للأنشطة العربيّة المتنوعة.
  • مشغل اللّغة العربيّة للإبداع وإسناده إلى متمكّنين في إدارته.
  • فرض الحصول على معدّل معيّن باللّغة العربيّة للترفّع لا يتدنّى عن 12/20 ورفض مبدأ علامة الاستلحاق إلا في حالات قصوى وفي مجلس المعلّمين.
  • اعتماد مبدأ التقييم التكويني في كل مكتسب جديد ومبدأ التقييم الشامل في الامتحانات الفصلية.

خامساً   : مسؤوليّة معدّي الكتب المدرسيّة.

على معدّي الكتب المدرسيّة ألاَّ يتجاوزوا السقوف التي يضعها المركز التربوي وأن يتخلوا عن المزايدات المعرفيّة   المضرّة بالتلامذة، وأن يلتزموا الحدود المقرّرة من دون أن يتخلوا عن سياسة التنافس من أجل الأفضل.

فالثقة بالكتاب المدرسي تضاهي الثقة بالمعلّم لذلك يجب تطويره وفاقًا لأجدى الفلسفات التربوية من معرفية وتجريبية وسواهما وخصوصًا في ظل حريّة التأليف واقتراح الطرائق.

سادساً : مسؤوليّة الروائيّين التربوييّن.

           لا ينكر أحدٌ، أن فائضًا من أدب الأطفال يملأ المكتبات عنيت تلامذة الحلقتين الأولى والثانية من تعليمنا الأساسي، وأن كتب المطالعة من الرواية وأدب الرّحلة والبحث الأدبيّ ومن الشعر الوجداني والسياسيّ ولا سيما شعر الحداثة، لا تقل وفرة عن كتب الأطفال. لكن أدب المراهقين يكاد يكون مُعدمًا، إلا ما كان منه مترجمًا ترجمة تجارية أو غير خاضعة للمراجعة الأسلوبيّة، لذلك فإذا أردنا لتلامذتنا في المرحلة المتوسطة وفي سنواتها الثلاث المتتالية أن يصرفوا وقتًا على المطالعة الشخصية، فإن جيلاً من التربويّين الروائيّين أو الروائيّين التربويّين لا فرق، يجب أن يظهر. فإن لهؤلاء التلامذة المراهقين قيمهم ومشاعرهم ونزواتهم ورغباتهم التي يجب أن يروها في شخصيّات قصصيّة يقرأون عنها متى أرادوا وحيثما أرادوا، ما قد يصرفهم بعض الوقت عن قنوات التواصل التي لا تهدر وقتهم فحسب بل تفسد نزعاتهم. وهنا لا بُدَّ من التنبيه إلى أن القصص القرويّة والريفيّة التي راجت في حقبة ما، لم تعد مشوّقة لفتيان اليوم قرويّين مقيمين كانوا أم نازحين أم مدنيّين أصليين، فالمشوّق هو ما يرتبط بالتحوّلات الاجتماعيّة والسلوكيّة التي يجب أن يراعيها كتاب القصّة والمسرح والرواية...

لقد آن الأوان لعربيّتنا اللبنانيّة الفصحى أن تصحو من كبوتها ولن يحقق ذلك سوى المدرسة على امتداد مراحل التعلّم والتعليم فيها. وهنا أطلق دعوة صريحة للعودة إلى دور المعلّمين الثلاث:

  • الدار الابتدائية لمن يحمل الثانوية العامّة ويتابع التأهيل لثلاث سنوات.
  • الدار المتوسطة لمن يحمل إجازة في الّلغة العربية وآدابها مدّتها ثلاث سنوات وسنة رابعة تخصّص للطرائق التعليميّة.
  • معهد المعلّمين العالي أو كلية التربيّة لمن يحمل الكفاءة في الطرائق يضاف إليها سنتان لتاريخ الأدب العربي والأدب المقارن والنقد الأدبيّ وفقه اللّغة العربيّة والألسنيّة المتنوّعة.

      ولا بُدَّ من إرفاق ذلك كله بسُلّم رواتب يحفظ كرامة المعلّم وحقوقه وفئته الوظيفيّة.

هذه مقترحات لا أدّعي وصفها بالشمول ولا بالحقائق المطلقة بل هي بنت الخبرة والمواكبة، فإن أخطأت فيها نلت أجرًا وإن أصبت نلت أجرين. ويبقى الهمّ الأكبر هو أولادنا وحقهم على لغتهم الأم وأهلها وحق لغتهم الأم عليهم وعلى ذويهم ورعاة تعلّمهم.

     ومع ذلك فإني أتمسّك بواجب تقدّم تلامذتنا من الشهادات اللبنانيّة الرسميّة قبل سواها وألاّ تمنح المعادلة إلا للمقيمين في الخارج، كما أتمسّك بواجب المحافظة على الفرع الأدبيّ في الثانوية العامّة وألا يقع في التسطيح والضحالة، فبالآداب يرقى الفكر كما بالعلوم تترقّى المدنيّة.

فضلاً عن حاجة الإنسانيّة جمعاء إلى حقوقييها وشعرائها وروائييها وصحافييها ونقادها وخطبائها وبلغائها ومشترعيها وقد لا يتوقف العدّ. فالآداب هي النجم الساطع في سماء كل أمّة ومَن من الأمم غنيّة عن نجم لها يسطع؟

اللّغة العربية المدرسية في لبنان من الكبوة إلى النهوض

صورة للأستاذ الياس مطر

أقصد الكلام على اللّغة العربية في مدارسنا اللبنانية لثلاثة أسباب هي:

  1. إن الكلام على اللّغة العربية بعامّة شأن من شؤون المجامع اللغوية فهي بها أدرى وعنايتها بها أَولى، ومسؤولياتها عنها أشملُ وأهمّ.
  2. إنّ الكلام على اللّغة العربية في مدارس الدول العربية يفترض الإلمام والإحاطة والتعيين وهذه جميعها فوق طاقتي عليها.
  3. إن الكلام على اللّغة العربية في مدارسنا اللبنانية بين الكبوة والنهوض لا يحتاج إلى أدلّة كثيرة يفترض أن يقّدمها معلّم من لبنان صرف ردحًا طويلاً من حياته بين تعليمها والإشراف على مناهجها والاشتراك في مجالات عدّة  من مجالات التأليف بها وتنقيح كتبها المدرسيّة وغير المدرسيّة والاشتراك في وضع مقرّراتها وتوجيه طرائق تعلّمها وتعليمها وسوى ذلك من شؤونها الكثر في التوصيف والإبداع.

وأسارع إلى القول إنه لمن الإنصاف الإقرار بجملة من الحقائق التي تزكيها الوقائع والتي تصبُّ كلّها في تزكية الفرص التي يتمتع بها تعليم اللّغة العربية وتعلّمها في لبنان. وهي فرص يفترض بها أن تسهم في نهوض اللّغة العربية المدرسية من كبوتها والعودة بها إلى الإمساك بناصية العربية والتباهي بامتلاكها والتمكّن منها ومن هذه الفرص عدًّا لا حصرًا:

  1. المستوى الثقافي المتقدم لأولياء الأمر، وقدرتهم على تقديم المساعدة لولدهم في البيت إذا احتاج إليها، وإن أعيتهم تلك المساعدة فإن لهم من أقربائهم وأصدقائهم ومن وسائل الاتصال المتعدّدة ما يعينهم على تلبية حاجة ولدهم.
  2. تمتع معلم اللّغة العربية في كل مرحلة من المراحل بأهلية طرائقية لم يكن يتمتّع بها معلّموه أو من سبقهم من المعلّمين. وقد أكسبته لغته الأجنبية فرنسية كانت أم إنكليزية إمكانية التثقف التربوي وتطوير أداءاته. ويتوضح ذلك بتخلّيه عن التلقين إلى الاستقراء وعن مجرّد التفسير إلى التحليل أي بخطواته في إدارة صفه وبسلامة معرفته.
  3. وفرة الوسائل التربوية السمعيّة البصرية وخدمات وسائل التواصل الإلكتروني وتدريب الأولاد على استخدامها في مدارسهم وقد انتشرت الألواح النشطة في معظم المدارس.
  4. توافر المكتبات المدرسيّة ومراكز التوثيق والمشرفين المتخصصيين عليها، الذين يقدّمون الإرشاد اللازم ويؤمّنون أفضل فرص التوجيه.
  5. محاولة تطوير المنهج اللبناني الخاص باللّغة العربية وآدابها وإن شابته شوائب عدّة قد يكون لظروف البلاد السلبية اليد الطولى فيها وفي تأخّر التعديل المستمر والتطوير الدائم الذي تعهّد به المركز التربوي للبحوث والإنماء.
  6. حيوية دور نشر الكتب المدرسية وتنافسها الإيجابي على أفضل إنتاج وأفضل الاختصاصيين في اللّغات والتربية وأساليب التقييم.
  7. وفرة " معدّي" الكتب المدرسية وسعيهم إلى التجديد وفاقًا لمتطلبات عقل المتعلّم وتجارب دول الغرب المتقدّمة ووضعها الاستراتيجيّات التربويّة. وبالرغم من وفرة هذه الفرص فإن ظاهرة التردّي ما تزال هي المسيطرة. وإذا كان الكلام الكثير قد قيل في الأسباب والنتائج، فإن الكلام القليل قد قيل في العلاجات المقترحة، وقد أسمح لنفسي بتقديم بعض الاقتراحات التي أعتقد بأنها قد توقف التردّي وتعيد إلى العربية في لبنان وهجها وألقها باعتبارها اللّغة الأم ولغة البلاد الرسميّة. ومن هذه الاقتراحات:

أوّلاً : مسؤوليّة الأهل.

من مسؤولية أولياء الأمر أن يبيّنوا لأولادهم أهمية اللّغة العربية ودورها في بناء شخصيتهم الثقافية وأثرها في مستقبلهم العمليّ بدلاً من الاستخفاف بهذه اللغة وذمّها والاستعاضة عنها بلغة أجنبية، بل من مسؤوليتهم أن يقرأوها مع أولادهم ويتحاوروا بها، ولا يحق لهم بحال من الأحوال أن يصفوها بالدونية كما يحصل في أحيان كثيرة. فاكتساب اللّغة الأم فضيلة وطنيّة وقوميّة وقيمة أولى تضاهي قيمة التمكن من لغة أجنبيّة أو أكثر وبروز الكتاب العربي في المكتبة المنزلية يقف على قدم المساواة مع بروز الكتاب الأجنبي فيها، فالعين التي تتعود الرؤية تغري اليد بتناول الكتاب وتصفحّه وقراءته.

ثانيا: مسؤوليّة المعلّم.

من مسؤولية المعلّم لا أن يُحسن صرف اللّغة، ونحوها وطرائق إيصالها، بل أن يجذب تلامذته بأسلوبه ونبرته وعمق تفكيره وسعة اطلاعه واتساع ثقافته وأن يحمل تلامذته على المباهاة به معلّمًا لهم والرغبة بمحاكاته والتمثل به. وأن يكون دانيًا منهم سائلاً إياهم ومشجّعهم ومنوّعًا لأنشطتهم الشفهيّة والخطيّة في النثر والشعر وفي المعرفة والتطبيق.

صحيح أن المعلّم ليس خزّان المعرفة ولا قطبها ولكنه البوصلة التي تهدي إلى الاتجاه الصحيح، مع الإشارة إلى أن مجتمعات غربية كثيرة قد اعتمدت التعلّم المنزلي عوضًا عن المدرسيّ مستفيدة من شبكات التواصل المتنوّعة. فعلى المعلّم أن يحسن تعيين الأهداف ويستطلع الكفايات ويشرك تلامذته فيها ويعرضها واحدةً واحدةً ويدعو إلى الاستقرار والتطبيق والتوظيف والإبداع. فضلاً عن التقييم ومعاييره وأنواعه ورعاية المطالعة وتوظيفها.

ثالثاً: مسؤوليّة المقرَّر.

طالما أن المقرَّر المدرسي في الأنظمة المدرسيّة اللبنانيّة كلّها هو مقرَّر مركزي إلزاميّ، فإن على المركز التربوي  للبحوث والإنماء صاحب القرار في وضع المنهج بعناوينه  الكبرى وتفصيلاته أن يضع هذا المنهج في ضوء حركة عقل المتعلّم وقدراته وفي ضوء الأهداف المتوخاة والكفايات الواجب تحقيقها، وأن يضعه متدرّجًا على المراحل عموديًّا وعلى سنوات كل مرحلة أفقيًّا وأن يواكبه باستمرار في " التقييم" والتعديل والتطوير والزيادة والحذف والتأليف المدرسيّ والحكم له أو عليه.

    لقد شكونا طويلًا من جمود المناهج ثم عدنا ووقعنا في مثله. وهنا لا بُدَّ من المطالبة:

أ - باعتبار اللّغة العربية وحدة فكريّة وكلاميّة لا فروعًا مستقلّة.

ب - إعداد كتاب واحد لكل فروع اللّغة العربية في السنة المنهجيّة الواحدة أي كتاب وظيفيّ لا يفرّق إلا شكليًّا بين القواعد والقراءة والإنشاء والإملاء والخط وسواها.

ج- اعتماد شكل موحّد لدفتر الخط العربيّ وهو الدفتر ذو السطر الواحد لا دفتر المربّعات ولا دفتر اللّغة الأجنبيّة.
ولا سيما أن الحروف الهابطة لا تتعدّى ما يختصره ( جمعه = ج م ع هـ). وبالتالي فرض اعتماد شكل طباعي واحد في كل الكتب المدرسية الصادرة عن أي دار نشر مدرسيّ.

د- استخدام الحرف العربي في الرسائل الإلكترونيّة وتطوير الكتابة الرقميّة لصيانة الحروف الهجائيّة الثمانية  والعشرين وضوابطها جميعًا.

 وعلى المركز التربوي للبحوث والإنماء أن يعود إلى مشروع اللّغة الأساسيّة الذي بدأ في أوائل السبعينيّات وجعله قاعدة المناهج والتأليف  المدرسي والتطوير المرتقب.

رابعاً: مسؤوليّة المدرسة.

  على المدرسة كل مدرسة أن تتقيّد بالساعات الرسميّة المقرّرة للّغة العربيّة وزيادتها إذا وجب الأمر. وأن تفرض على تلامذتها التقدّم من الشهادة الثانوية اللبنانيّة العامّة وعدم الاكتفاء بمُعادلة الشهادة الأجنبية كما هو حاصل في بعض المدارس وأن تعود إلى:

  • المجلة المدرسيّة باللّغة العربيّة إلى جانب اللّغة الأجنبيّة .
  • جائزة التفوّق باللّغة العربيّة كمحفّز ومشجّع.
  • الندوة للأنشطة العربيّة المتنوعة.
  • مشغل اللّغة العربيّة للإبداع وإسناده إلى متمكّنين في إدارته.
  • فرض الحصول على معدّل معيّن باللّغة العربيّة للترفّع لا يتدنّى عن 12/20 ورفض مبدأ علامة الاستلحاق إلا في حالات قصوى وفي مجلس المعلّمين.
  • اعتماد مبدأ التقييم التكويني في كل مكتسب جديد ومبدأ التقييم الشامل في الامتحانات الفصلية.

خامساً   : مسؤوليّة معدّي الكتب المدرسيّة.

على معدّي الكتب المدرسيّة ألاَّ يتجاوزوا السقوف التي يضعها المركز التربوي وأن يتخلوا عن المزايدات المعرفيّة   المضرّة بالتلامذة، وأن يلتزموا الحدود المقرّرة من دون أن يتخلوا عن سياسة التنافس من أجل الأفضل.

فالثقة بالكتاب المدرسي تضاهي الثقة بالمعلّم لذلك يجب تطويره وفاقًا لأجدى الفلسفات التربوية من معرفية وتجريبية وسواهما وخصوصًا في ظل حريّة التأليف واقتراح الطرائق.

سادساً : مسؤوليّة الروائيّين التربوييّن.

           لا ينكر أحدٌ، أن فائضًا من أدب الأطفال يملأ المكتبات عنيت تلامذة الحلقتين الأولى والثانية من تعليمنا الأساسي، وأن كتب المطالعة من الرواية وأدب الرّحلة والبحث الأدبيّ ومن الشعر الوجداني والسياسيّ ولا سيما شعر الحداثة، لا تقل وفرة عن كتب الأطفال. لكن أدب المراهقين يكاد يكون مُعدمًا، إلا ما كان منه مترجمًا ترجمة تجارية أو غير خاضعة للمراجعة الأسلوبيّة، لذلك فإذا أردنا لتلامذتنا في المرحلة المتوسطة وفي سنواتها الثلاث المتتالية أن يصرفوا وقتًا على المطالعة الشخصية، فإن جيلاً من التربويّين الروائيّين أو الروائيّين التربويّين لا فرق، يجب أن يظهر. فإن لهؤلاء التلامذة المراهقين قيمهم ومشاعرهم ونزواتهم ورغباتهم التي يجب أن يروها في شخصيّات قصصيّة يقرأون عنها متى أرادوا وحيثما أرادوا، ما قد يصرفهم بعض الوقت عن قنوات التواصل التي لا تهدر وقتهم فحسب بل تفسد نزعاتهم. وهنا لا بُدَّ من التنبيه إلى أن القصص القرويّة والريفيّة التي راجت في حقبة ما، لم تعد مشوّقة لفتيان اليوم قرويّين مقيمين كانوا أم نازحين أم مدنيّين أصليين، فالمشوّق هو ما يرتبط بالتحوّلات الاجتماعيّة والسلوكيّة التي يجب أن يراعيها كتاب القصّة والمسرح والرواية...

لقد آن الأوان لعربيّتنا اللبنانيّة الفصحى أن تصحو من كبوتها ولن يحقق ذلك سوى المدرسة على امتداد مراحل التعلّم والتعليم فيها. وهنا أطلق دعوة صريحة للعودة إلى دور المعلّمين الثلاث:

  • الدار الابتدائية لمن يحمل الثانوية العامّة ويتابع التأهيل لثلاث سنوات.
  • الدار المتوسطة لمن يحمل إجازة في الّلغة العربية وآدابها مدّتها ثلاث سنوات وسنة رابعة تخصّص للطرائق التعليميّة.
  • معهد المعلّمين العالي أو كلية التربيّة لمن يحمل الكفاءة في الطرائق يضاف إليها سنتان لتاريخ الأدب العربي والأدب المقارن والنقد الأدبيّ وفقه اللّغة العربيّة والألسنيّة المتنوّعة.

      ولا بُدَّ من إرفاق ذلك كله بسُلّم رواتب يحفظ كرامة المعلّم وحقوقه وفئته الوظيفيّة.

هذه مقترحات لا أدّعي وصفها بالشمول ولا بالحقائق المطلقة بل هي بنت الخبرة والمواكبة، فإن أخطأت فيها نلت أجرًا وإن أصبت نلت أجرين. ويبقى الهمّ الأكبر هو أولادنا وحقهم على لغتهم الأم وأهلها وحق لغتهم الأم عليهم وعلى ذويهم ورعاة تعلّمهم.

     ومع ذلك فإني أتمسّك بواجب تقدّم تلامذتنا من الشهادات اللبنانيّة الرسميّة قبل سواها وألاّ تمنح المعادلة إلا للمقيمين في الخارج، كما أتمسّك بواجب المحافظة على الفرع الأدبيّ في الثانوية العامّة وألا يقع في التسطيح والضحالة، فبالآداب يرقى الفكر كما بالعلوم تترقّى المدنيّة.

فضلاً عن حاجة الإنسانيّة جمعاء إلى حقوقييها وشعرائها وروائييها وصحافييها ونقادها وخطبائها وبلغائها ومشترعيها وقد لا يتوقف العدّ. فالآداب هي النجم الساطع في سماء كل أمّة ومَن من الأمم غنيّة عن نجم لها يسطع؟

اللّغة العربية المدرسية في لبنان من الكبوة إلى النهوض

صورة للأستاذ الياس مطر

أقصد الكلام على اللّغة العربية في مدارسنا اللبنانية لثلاثة أسباب هي:

  1. إن الكلام على اللّغة العربية بعامّة شأن من شؤون المجامع اللغوية فهي بها أدرى وعنايتها بها أَولى، ومسؤولياتها عنها أشملُ وأهمّ.
  2. إنّ الكلام على اللّغة العربية في مدارس الدول العربية يفترض الإلمام والإحاطة والتعيين وهذه جميعها فوق طاقتي عليها.
  3. إن الكلام على اللّغة العربية في مدارسنا اللبنانية بين الكبوة والنهوض لا يحتاج إلى أدلّة كثيرة يفترض أن يقّدمها معلّم من لبنان صرف ردحًا طويلاً من حياته بين تعليمها والإشراف على مناهجها والاشتراك في مجالات عدّة  من مجالات التأليف بها وتنقيح كتبها المدرسيّة وغير المدرسيّة والاشتراك في وضع مقرّراتها وتوجيه طرائق تعلّمها وتعليمها وسوى ذلك من شؤونها الكثر في التوصيف والإبداع.

وأسارع إلى القول إنه لمن الإنصاف الإقرار بجملة من الحقائق التي تزكيها الوقائع والتي تصبُّ كلّها في تزكية الفرص التي يتمتع بها تعليم اللّغة العربية وتعلّمها في لبنان. وهي فرص يفترض بها أن تسهم في نهوض اللّغة العربية المدرسية من كبوتها والعودة بها إلى الإمساك بناصية العربية والتباهي بامتلاكها والتمكّن منها ومن هذه الفرص عدًّا لا حصرًا:

  1. المستوى الثقافي المتقدم لأولياء الأمر، وقدرتهم على تقديم المساعدة لولدهم في البيت إذا احتاج إليها، وإن أعيتهم تلك المساعدة فإن لهم من أقربائهم وأصدقائهم ومن وسائل الاتصال المتعدّدة ما يعينهم على تلبية حاجة ولدهم.
  2. تمتع معلم اللّغة العربية في كل مرحلة من المراحل بأهلية طرائقية لم يكن يتمتّع بها معلّموه أو من سبقهم من المعلّمين. وقد أكسبته لغته الأجنبية فرنسية كانت أم إنكليزية إمكانية التثقف التربوي وتطوير أداءاته. ويتوضح ذلك بتخلّيه عن التلقين إلى الاستقراء وعن مجرّد التفسير إلى التحليل أي بخطواته في إدارة صفه وبسلامة معرفته.
  3. وفرة الوسائل التربوية السمعيّة البصرية وخدمات وسائل التواصل الإلكتروني وتدريب الأولاد على استخدامها في مدارسهم وقد انتشرت الألواح النشطة في معظم المدارس.
  4. توافر المكتبات المدرسيّة ومراكز التوثيق والمشرفين المتخصصيين عليها، الذين يقدّمون الإرشاد اللازم ويؤمّنون أفضل فرص التوجيه.
  5. محاولة تطوير المنهج اللبناني الخاص باللّغة العربية وآدابها وإن شابته شوائب عدّة قد يكون لظروف البلاد السلبية اليد الطولى فيها وفي تأخّر التعديل المستمر والتطوير الدائم الذي تعهّد به المركز التربوي للبحوث والإنماء.
  6. حيوية دور نشر الكتب المدرسية وتنافسها الإيجابي على أفضل إنتاج وأفضل الاختصاصيين في اللّغات والتربية وأساليب التقييم.
  7. وفرة " معدّي" الكتب المدرسية وسعيهم إلى التجديد وفاقًا لمتطلبات عقل المتعلّم وتجارب دول الغرب المتقدّمة ووضعها الاستراتيجيّات التربويّة. وبالرغم من وفرة هذه الفرص فإن ظاهرة التردّي ما تزال هي المسيطرة. وإذا كان الكلام الكثير قد قيل في الأسباب والنتائج، فإن الكلام القليل قد قيل في العلاجات المقترحة، وقد أسمح لنفسي بتقديم بعض الاقتراحات التي أعتقد بأنها قد توقف التردّي وتعيد إلى العربية في لبنان وهجها وألقها باعتبارها اللّغة الأم ولغة البلاد الرسميّة. ومن هذه الاقتراحات:

أوّلاً : مسؤوليّة الأهل.

من مسؤولية أولياء الأمر أن يبيّنوا لأولادهم أهمية اللّغة العربية ودورها في بناء شخصيتهم الثقافية وأثرها في مستقبلهم العمليّ بدلاً من الاستخفاف بهذه اللغة وذمّها والاستعاضة عنها بلغة أجنبية، بل من مسؤوليتهم أن يقرأوها مع أولادهم ويتحاوروا بها، ولا يحق لهم بحال من الأحوال أن يصفوها بالدونية كما يحصل في أحيان كثيرة. فاكتساب اللّغة الأم فضيلة وطنيّة وقوميّة وقيمة أولى تضاهي قيمة التمكن من لغة أجنبيّة أو أكثر وبروز الكتاب العربي في المكتبة المنزلية يقف على قدم المساواة مع بروز الكتاب الأجنبي فيها، فالعين التي تتعود الرؤية تغري اليد بتناول الكتاب وتصفحّه وقراءته.

ثانيا: مسؤوليّة المعلّم.

من مسؤولية المعلّم لا أن يُحسن صرف اللّغة، ونحوها وطرائق إيصالها، بل أن يجذب تلامذته بأسلوبه ونبرته وعمق تفكيره وسعة اطلاعه واتساع ثقافته وأن يحمل تلامذته على المباهاة به معلّمًا لهم والرغبة بمحاكاته والتمثل به. وأن يكون دانيًا منهم سائلاً إياهم ومشجّعهم ومنوّعًا لأنشطتهم الشفهيّة والخطيّة في النثر والشعر وفي المعرفة والتطبيق.

صحيح أن المعلّم ليس خزّان المعرفة ولا قطبها ولكنه البوصلة التي تهدي إلى الاتجاه الصحيح، مع الإشارة إلى أن مجتمعات غربية كثيرة قد اعتمدت التعلّم المنزلي عوضًا عن المدرسيّ مستفيدة من شبكات التواصل المتنوّعة. فعلى المعلّم أن يحسن تعيين الأهداف ويستطلع الكفايات ويشرك تلامذته فيها ويعرضها واحدةً واحدةً ويدعو إلى الاستقرار والتطبيق والتوظيف والإبداع. فضلاً عن التقييم ومعاييره وأنواعه ورعاية المطالعة وتوظيفها.

ثالثاً: مسؤوليّة المقرَّر.

طالما أن المقرَّر المدرسي في الأنظمة المدرسيّة اللبنانيّة كلّها هو مقرَّر مركزي إلزاميّ، فإن على المركز التربوي  للبحوث والإنماء صاحب القرار في وضع المنهج بعناوينه  الكبرى وتفصيلاته أن يضع هذا المنهج في ضوء حركة عقل المتعلّم وقدراته وفي ضوء الأهداف المتوخاة والكفايات الواجب تحقيقها، وأن يضعه متدرّجًا على المراحل عموديًّا وعلى سنوات كل مرحلة أفقيًّا وأن يواكبه باستمرار في " التقييم" والتعديل والتطوير والزيادة والحذف والتأليف المدرسيّ والحكم له أو عليه.

    لقد شكونا طويلًا من جمود المناهج ثم عدنا ووقعنا في مثله. وهنا لا بُدَّ من المطالبة:

أ - باعتبار اللّغة العربية وحدة فكريّة وكلاميّة لا فروعًا مستقلّة.

ب - إعداد كتاب واحد لكل فروع اللّغة العربية في السنة المنهجيّة الواحدة أي كتاب وظيفيّ لا يفرّق إلا شكليًّا بين القواعد والقراءة والإنشاء والإملاء والخط وسواها.

ج- اعتماد شكل موحّد لدفتر الخط العربيّ وهو الدفتر ذو السطر الواحد لا دفتر المربّعات ولا دفتر اللّغة الأجنبيّة.
ولا سيما أن الحروف الهابطة لا تتعدّى ما يختصره ( جمعه = ج م ع هـ). وبالتالي فرض اعتماد شكل طباعي واحد في كل الكتب المدرسية الصادرة عن أي دار نشر مدرسيّ.

د- استخدام الحرف العربي في الرسائل الإلكترونيّة وتطوير الكتابة الرقميّة لصيانة الحروف الهجائيّة الثمانية  والعشرين وضوابطها جميعًا.

 وعلى المركز التربوي للبحوث والإنماء أن يعود إلى مشروع اللّغة الأساسيّة الذي بدأ في أوائل السبعينيّات وجعله قاعدة المناهج والتأليف  المدرسي والتطوير المرتقب.

رابعاً: مسؤوليّة المدرسة.

  على المدرسة كل مدرسة أن تتقيّد بالساعات الرسميّة المقرّرة للّغة العربيّة وزيادتها إذا وجب الأمر. وأن تفرض على تلامذتها التقدّم من الشهادة الثانوية اللبنانيّة العامّة وعدم الاكتفاء بمُعادلة الشهادة الأجنبية كما هو حاصل في بعض المدارس وأن تعود إلى:

  • المجلة المدرسيّة باللّغة العربيّة إلى جانب اللّغة الأجنبيّة .
  • جائزة التفوّق باللّغة العربيّة كمحفّز ومشجّع.
  • الندوة للأنشطة العربيّة المتنوعة.
  • مشغل اللّغة العربيّة للإبداع وإسناده إلى متمكّنين في إدارته.
  • فرض الحصول على معدّل معيّن باللّغة العربيّة للترفّع لا يتدنّى عن 12/20 ورفض مبدأ علامة الاستلحاق إلا في حالات قصوى وفي مجلس المعلّمين.
  • اعتماد مبدأ التقييم التكويني في كل مكتسب جديد ومبدأ التقييم الشامل في الامتحانات الفصلية.

خامساً   : مسؤوليّة معدّي الكتب المدرسيّة.

على معدّي الكتب المدرسيّة ألاَّ يتجاوزوا السقوف التي يضعها المركز التربوي وأن يتخلوا عن المزايدات المعرفيّة   المضرّة بالتلامذة، وأن يلتزموا الحدود المقرّرة من دون أن يتخلوا عن سياسة التنافس من أجل الأفضل.

فالثقة بالكتاب المدرسي تضاهي الثقة بالمعلّم لذلك يجب تطويره وفاقًا لأجدى الفلسفات التربوية من معرفية وتجريبية وسواهما وخصوصًا في ظل حريّة التأليف واقتراح الطرائق.

سادساً : مسؤوليّة الروائيّين التربوييّن.

           لا ينكر أحدٌ، أن فائضًا من أدب الأطفال يملأ المكتبات عنيت تلامذة الحلقتين الأولى والثانية من تعليمنا الأساسي، وأن كتب المطالعة من الرواية وأدب الرّحلة والبحث الأدبيّ ومن الشعر الوجداني والسياسيّ ولا سيما شعر الحداثة، لا تقل وفرة عن كتب الأطفال. لكن أدب المراهقين يكاد يكون مُعدمًا، إلا ما كان منه مترجمًا ترجمة تجارية أو غير خاضعة للمراجعة الأسلوبيّة، لذلك فإذا أردنا لتلامذتنا في المرحلة المتوسطة وفي سنواتها الثلاث المتتالية أن يصرفوا وقتًا على المطالعة الشخصية، فإن جيلاً من التربويّين الروائيّين أو الروائيّين التربويّين لا فرق، يجب أن يظهر. فإن لهؤلاء التلامذة المراهقين قيمهم ومشاعرهم ونزواتهم ورغباتهم التي يجب أن يروها في شخصيّات قصصيّة يقرأون عنها متى أرادوا وحيثما أرادوا، ما قد يصرفهم بعض الوقت عن قنوات التواصل التي لا تهدر وقتهم فحسب بل تفسد نزعاتهم. وهنا لا بُدَّ من التنبيه إلى أن القصص القرويّة والريفيّة التي راجت في حقبة ما، لم تعد مشوّقة لفتيان اليوم قرويّين مقيمين كانوا أم نازحين أم مدنيّين أصليين، فالمشوّق هو ما يرتبط بالتحوّلات الاجتماعيّة والسلوكيّة التي يجب أن يراعيها كتاب القصّة والمسرح والرواية...

لقد آن الأوان لعربيّتنا اللبنانيّة الفصحى أن تصحو من كبوتها ولن يحقق ذلك سوى المدرسة على امتداد مراحل التعلّم والتعليم فيها. وهنا أطلق دعوة صريحة للعودة إلى دور المعلّمين الثلاث:

  • الدار الابتدائية لمن يحمل الثانوية العامّة ويتابع التأهيل لثلاث سنوات.
  • الدار المتوسطة لمن يحمل إجازة في الّلغة العربية وآدابها مدّتها ثلاث سنوات وسنة رابعة تخصّص للطرائق التعليميّة.
  • معهد المعلّمين العالي أو كلية التربيّة لمن يحمل الكفاءة في الطرائق يضاف إليها سنتان لتاريخ الأدب العربي والأدب المقارن والنقد الأدبيّ وفقه اللّغة العربيّة والألسنيّة المتنوّعة.

      ولا بُدَّ من إرفاق ذلك كله بسُلّم رواتب يحفظ كرامة المعلّم وحقوقه وفئته الوظيفيّة.

هذه مقترحات لا أدّعي وصفها بالشمول ولا بالحقائق المطلقة بل هي بنت الخبرة والمواكبة، فإن أخطأت فيها نلت أجرًا وإن أصبت نلت أجرين. ويبقى الهمّ الأكبر هو أولادنا وحقهم على لغتهم الأم وأهلها وحق لغتهم الأم عليهم وعلى ذويهم ورعاة تعلّمهم.

     ومع ذلك فإني أتمسّك بواجب تقدّم تلامذتنا من الشهادات اللبنانيّة الرسميّة قبل سواها وألاّ تمنح المعادلة إلا للمقيمين في الخارج، كما أتمسّك بواجب المحافظة على الفرع الأدبيّ في الثانوية العامّة وألا يقع في التسطيح والضحالة، فبالآداب يرقى الفكر كما بالعلوم تترقّى المدنيّة.

فضلاً عن حاجة الإنسانيّة جمعاء إلى حقوقييها وشعرائها وروائييها وصحافييها ونقادها وخطبائها وبلغائها ومشترعيها وقد لا يتوقف العدّ. فالآداب هي النجم الساطع في سماء كل أمّة ومَن من الأمم غنيّة عن نجم لها يسطع؟