نصائح لمساعدة المعلّمين في الحفاظ على صحّة نفسيّة جيّدة خلال فترة التعليم عن بُعد وتجنّب الاحتراق النّفسيّ

 

كما يؤدّي الأطبّاء في الأزمات الصحيّة، دور المحاربين في الصفوف الأماميّة، في التعليم أيضًا، يُعتبر المعلّمون العاملون الأساسيّون في الخطوط الأماميّة، لذلك من الضروري الاهتمام بهم وبصحّتهم النفسيّة، فعند القيام بذلك سيعتنون بدورهم بالمتعلّمين. 


وقد سلّط المؤتمر العالمي الثامن للتعليم الدّولي Le congrès mondial de l’internationale de l’éducation  ، في دورته الثامنة التي عُقدت عام 2019، الضوء على الآتي:
-    أنّ كثافة عبء العمل والخطر المتزايد لظروف العمل والتوظيف لها عواقب سلبيّة على الصحّة النفسيّة ورفاهيّة أعضاء التدريس.
-    انخفاض الروح المعنويّة والرّضا الوظيفي للمعلّمين بسبب انخفاض الأجور، وظروف العمل السّيئة والارهاق.


ووفقًا لتقرير المؤتمر فقد أكّدت العديد من الدّراسات زيادة حالات الاكتئاب والقلق والانتحار بين المعلّمين.


ولا شكّ أنّه في ظلّ جائحة كورونا ازداد القلق لدى المعلّمين، وأصبحوا أكثر عُرضة للإصابة بالاحتراق النّفسيّ Burnout لأنّهم أصبحوا مضطرين إلى تعلّم كيفيّة تحقيق التوازن بين إدارة منزلهم وأسرهم واحتياجاتهم أثناء العمل بدوام كامل وتعلّم كيفيّة استخدام التكنولوجيا الجديدة من المنزل. وتُشكّل هذه الأمور تحدّيات لهم. 

والاحتراق النفسيّ هو عبارة عن مؤشّرات سلوكيّة ناتجة عن الضغط والإجهاد النّفسيّ الذي يتعرّض له المعلّم أثناء العمل لفترة طويلة مما يستنفد لديه تدريجيّاً الرضا الوظيفي والحماس، ويزداد بالتالي الشعور بالقلق وهذا بالإضافة إلى شعوره بأنّه لا يلقى من التقدير المادي والمعنوي ما يتناسب مع الجهد المبذول من قبله. كلّ هذه العوامل قد تؤدّي إلى الإصابة بالإحتراق النّفسيّ أو ببعض العوارض المشابهة له.


إنّ السّلوكيّات التي تظهر لدى الشّـخص المصـاب بـالإحتراق النفسـيّ، مـا هـي إلا حالة من الهروب النفسيّ يتّخذها حمايةً له وخوفاً من سوء حالته أكثـر فـأكثر، ومـن أهم هذه الأعراض ارتفاع ضغط الدّم، الاجهاد والاعياء، فقدان الشهيّة، اضطراب النوم، الانهاك الشّديد، عدم القدرة على التركيز، الشعور بالاحباط، استنفاذ الطاقة النفسيّة، بطء الأداء، عدم الرضا، تدنّي مستوى الانجاز، المبالغة في ردّة الفعل، صعوبة التعامل مع الآخرين في العمل أو في البيت، الانسحاب الاجتماعيّ والعُزلة بعيدًا عن الآخرين.


ويمرّ الاحتراق النفسي بأربعة مراحل هي:
1.    مرحلة الإستغراق : Involvement Phaseفي هذه المرحلة يكون مستوى الرّضا عن العمل مرتفعاً، ولكن إذا حدث عدم إتّساق بين ما هو متوقّع من العمل وما يحدث في الواقع، يبدأ مستوى الرّضا في الإنخفاض.
2.    مرحلة التبلّد:Stagnation Phase  تنمو هذه المرحلة ببطء، وينخفض فيها مستوى الرّضا عن العمل تدريجيًّا، وتقلّ الكفاية، وينخفض مستوى الأداء في العمل، ويشعر الفرد بإعتلال في صحّته البدنيّ..
3.    مرحلة الإنفصال :Detachment Phase  يُدرك في هذه المرحلة المعلّم ما حدث، ويبدأ بالإنسحاب النّفسيّ، وإعتلال الصحّة النّفسيّة والبدنيّة مع إرتفاع مستوى الإجهاد النفسّي.
4.    المرحلة الحرجة:Juncture Phase  تُعتبر هذه المرحلة أقصى مرحلة في سلسلة مراحل الإحتراق النّفسيّ، إذ تزداد فيها الأعراض البدنيّة والنفسيّة والسّلوكيّة سوءاً وخطراً، ويختلّ فيها تفكير الفرد نتيجة شكوك الذات Self-Doubt، ويصل إلى مرحلة الإجتياح أو الإنفجار، ويفكّر عندها في ترك العمل وقد يفكّر في الإنتحار.


عوامل عدّة في الفترة الحالية تزيد من فرص تعرّض المعلّمين للإحتراق النّفسيّ، أبرزها غياب خصوصيّة المعلّم، حيث أصبحت أفراد أسرة المتعلّم تنتهكها من خلال استراق النظر إليه أثناء شرح الدرس عبر المنصّات الالكترونيّة، أو حتى الحصول على رقم هاتفه الخاص والتواصل معه في أي وقت دون مراعاة لحياته الخاصّة، وأوقات راحته. كما أنّ عدم امتلاك المعلّم الموارد التي يحتاج إليها وخاصّة عندما تكون متطلّبات العمل المستمرّة عالية، عاملاً أساسيًّا في التعرّض للاحتراق النفسيّ. ويُشكّل قلق المعلّمين تجاه المتعلّمين الضعفاء أحد أكثر الجوانب إرهاقًا أثناء أداء عملهم في الوقت الحالي. وقد أصبح الشاغل الأساسي لدى المعلّمين هو كيفيّة استخدامهم للاتصال اليومي مع المتعلّمين لتعزيز العلاقات، أضف إلى ذلك التفاوت في الوصول إلى التعلّم هو أيضًا أمر مقلق بالنسبة للمعلّمين حتى المتعلّمين الذين لديهن إمكانيّة الوصول إلى الانترنت والأجهزة ليسوا جميعهم مؤهّلين للقيام بذلك على أكمل وجه، إذ يحتاج بعض المتعلّمين إلى مزيدٍ من الدّعم ألأكاديمي لأنّ لديهم احتياجات تعليميّة خاصّة أو لأنّ أولياء الأمور لا يتحدّثون لغة التدريس، كما أنّ البعض لا يوجد لديه من يُساعدهم لأنّ والديهم يعملون أو مشغولون أو غير متاحين. 

انطلاقًا ممّا سبق من الضروري إعادة النظر في الطريقة التي ينظر بها الآباء والمسؤولون في دعم المعلّمين أثناء هذا الوباء والموجات الأخرى المحتملة.
وللوقاية من الإحتراق النّفسيّ ننصح باعتماد أحد الإستراتيجيّات الآتية:
- فهم المعلّم لعمله وكذلك أساليبه في الاستجابة للضغوط لأنّ فهمه لإستجاباته بشكل كامل سوف يساعده في التعرّف على أنماط السّلوك غير الفعّالة وبالتّالي محاولة تغييرها.
 - إعادة فحص المعلّم لقيمه وأهدافه وأولوّياته، فالأهداف غير الواقعيّة المثاليّة للوظائف والأداء ستُعرّض الفرد للإحباط والارتباك، بمعنى آخر التأكّد من قابليّة الأهداف للتّنفيذ.
- تقسيم الحياة إلى مجالات كالعمل والمنزل والحياة الإجتماعيّة.
- التّركيز قدر الإمكان على كلّ مجال معاش، وعدم السّماح لضغوط مكان ما أن تؤثّر على مكان آخر.
- العمل على بناء نظام للمساندة الإجتماعيّة.
- ممارسة تمارين الاسترخاء النفسيّ،  هي تقنية مساعدة لإراحة الأعصاب والحدّ من شدّة التوتّر العصبيّ والنفسيّ، بحيث تعمل على تهدئة الأعصاب وحلّ المشاكل النفسيّة للأفراد، إضافة لقدرتها على معالجة مشاكل ارتفاع ضغط الدم، ومشاكل النوم كالأرق، وآلام الرأس بأنواعه. وتشتمل تمارين الإسترخاء على تمارين خاصّة بعضلات الرقبة، الوجه، الظهر، الفخذين، الساقين.

في النهاية نقول أنّه مع المستويات العالية من التوتّر والقلق والاحتراق النفسي الذي يشعر به المعلّمون لا بدّ أن ينتهي الأمر بتأثير سيّء على المتعلّمين. حيث تُخلق حلقة مفرغة من المعلّمين المرهَقين، والتي يمكن أن تؤثّر سلبّا على المتعلّمين في الصفوف الافتراضية أو الحضوريّة على حدّ سواء، ممّا قد يتسبّب في تصرّف المتعلّمين بطريقةٍ غير مناسبة ممّا يؤدّي إلى مزيدٍ من الضغط على المعلّمين... 
 

بقلم بروفيسور رشا عمر تدمري
أستاذة علم النّفس التربوي في الجامعة اللّبنانيّة