التلعيب في التعليم عن بُعد

بقلم بروفيسورة رشا عمر تدمري

بما أنّ التعليم عن بُعد أصبح أمرًا واقعًا، وبما أنّ المتعلّمين يسعدون بالألعاب الإلكترونيّة الإفتراضيّة أصبح من المفيد التفكير في دمج العاَلمين معًا، عالم التعلّم وعالم الألعاب، وتنفيذ التلعيب Gamification في التعليم.
غالبًا عندما يسمع الأفراد كلمة "تلعيب" فإنّهم يعتقدون أنّ المتعلّمين يلعبون ألعاب الفيديو خلال الحصّة، ولكن طبعًا الأمر ليس كذلك تمامًا، فالتلعيب هو تطبيق عناصر اللعبة في سياق غير اللعب، أو بمعنى آخر هو إشراك عناصر من الألعاب الإلكترونيّة والعمل على تنفيذها في سياق التعليم من أجل تحسين مشاركة المتعلّمين.
بدأ تنفيذ التلعيب في العديد من الدّول، حتى قبل أزمة كورونا، بهدف إثارة دافعيّة المتعلّمين وجعل بيئة الصف ثلاثيّة الأبعاد كما الألعاب تمامًا. وفي لبنان، تعتبر فرصة التعليم عن بُعد مناسبةً لتنفيذ هذا المنحى التعليمي. فالتلعيب هو تقاطع التعليم والمتعة، وهو يُحفّز المتعلّم على التعلّم، ويمكّنه من الانخراط في الدراسة عبر الألعاب، ويضمن تفاعله مع المادة التعليميّة التي تُقدّم بأسلوبٍ ممتع بغية تحقيق الأهداف المرجوّة منها. كما أنّ التلعيب يعمل على إشراك المتعلّم إيجابيًّا في عمليّة التعلّم أكثر من أي وسيلة تعليميّة أخرى. 
ويتميّز اللعب ببعض الخصائص التي يمكن إجمالها بالآتي:
-    هو خبرة مفيدة يتعلّم من خلالها المتعلّم الكثير من المعلومات.
-    هو ذو فائدة على مستوى التخلّص من التوتّر والإحباط والقلق.
-    يمكنه أن يكون موجّهًا وفرديًّا أو جماعيًّا.
-    يُساعد على تحقيق فَهْمٍ أفضل لشخصيّة الصّغار.
-    يُسهم في تشكيل شخصيّة المتعلّم في جميع جوانبها.
-    يُنمّي ويطوّر الكثير من القدرات.
فما الذي يجعل الطفل يقضي وقتًا طويلاً في اللعب ولكنّه يملّ ويتشتّت انتباهه أثناء الدّرس؟
تكمن الإجابة في الصفات الأساسيّة للعب الآتية:
-    التفاؤل المتمثّل في الرغبة في ممارسة فعلٍ ما والإيمان بتحقيق النجاح.
-    الإنتاج بسعادة، مع الإيمان بأنّ مهمّة اللاعب ذات معنى وبالتالي الإخلاص فيها.
-    المعنى البطولي، ويتمثّل ذلك في الانغماس في شخصيّة أبطال اللعبة والسعي لتحقيق إنجاز من خلالها.
مهما اختلفت الألعاب في أنواعها وتقنياتها إلا أنّها تتقاسم مجموعة ثابتة من الآليّات التي تجعلها أكثر تشويقًا، ويُذكر من بين هذه الآليّات: 
-    النّقاط Points: لقياس أداء المتعلّم، وهي تعمل على تفعيل دافع التّنافس.
-    الشارات أو الأوسمة Badges,Trophies: للإنجازات الخاصّة التي ينالها اللّاعب كلّما حقّق إنجازاً، وهي تُحفّز التّحدّي، المشاركة، إدارة الوقت..
-    المستويات/ التدرّج Levels: تتحدّد بناءً على النّقاط والشّارات، ووفقها يتمّ ترتيب مستوى المتعلّم.
-    التحدّيات Challenges التي يُقابلها المتعلّم.
-    أشرطة التّقدّم Virtual Goals: هي رسوم بيانيّة مرتكزة على النسبة المئويّة تبيّن تقدّم اللّاعبين أيّ المتعلّمين.
-    المتصدّرين Leader-board: هم الذين يُحرزون أعلى مستوى من النّقاط.
-    الجوائز والهدايا Rewards التي يكتسبها اللّاعبين أيّ المتعلّمين.
يعودُ المبدأ الأساسيّ في التّلعيب في التّعليم إلى "حريّة الفشل"  Freedom to Fail حيث لا تُفرض أيّة عقوبات على الأداء الضعيف للمهمّة، بل يسمح للمتعلّم بمراجعة وإعادة تقديم الواجبات أو إعادة الإختبارات.
كيف يمكن دمج هذه العناصر في الصف؟
بدايةً يمكن السماح للمتعلّمين الدخول إلى الصفوف الافتراضيّة بصورٍ لشخصيّات كرتونيّة يُحبّونها، يُسهم ذلك في جعل المتعلّم لا يشعر بالحرج عندما يُخطء في الاجابة، كونه يلعب بشخصيّة أخرى. ومن الطبيعيّ أن يقسّم المعلّم الهدف العام إلى أهداف فرعيّة، ولكل هدف فرعيّ مجموعة من الأنشطة التطبيقيّة، يُخصَّص لكل نشاط عددًا من النقاط التي يُمكن أن يُحرزها المتعلّمون إذا أنجزوا النشاط على أكمل وجه، ونقاط إضافيّة لمن يقوم بعملٍ إضافيّ، وبهذه الطريقة يُصبح المتعلّم قادرًا ليس فقط على جمع أعلى عدد نقاط بل أيضًا ادّخار نقاط للمستويات أو المراحل التالية، كما تُشجّعه النقاط على بذلٍ جهد أكبر والبحث عن مصادر متنوّعة لجمع المعلومات. أمّا بالنسبة للمتعلّم الذي يفشل في اجتياز المرحلة، فلديه الحق في أن يُعيد المحاولة عدد مرّات يُحدّدها المعلّم، وهكذا يكون الإخفاق قابلاً للمعالجة. ويقوم المعلّم بإعداد لوحدة للمتصدّرين حيث يضع رسوم الشخصيّات التي اختارها المتعلّمون ويحرّكها حسب تقدّم كل متعلّم، ليرصد الجميع نتائجه ونتائج رفاقه في الصف. ويمكن في نهاية الأهداف المرجوّ تحقيقها توزيع جوائز معنويّة على المتعلّمين، كنجم الصف أو البطل... للذين جمّعوا أكبر عدد من النقاط.
كما يُمكن إضافة نقاط للمشاركة الصفيّة، أو لمن يُحضر معلومات إضافيّة حول موضوع الدّرس، الأمر الذي يُحفّز المتعلّم على الاكتساب، والاكتشاف. 
وهكذا نلاحظ أنّ التعليم بالتلعيب يمكنه أن يحسّن المعارف والمهارات والقدرات الذهنيّة للمتعلّم، وأن يزيد قدرته على الفهم والإستيعاب ويُساعده على التحكّم في تعلّمه.
ولا ننسى أنّ الشعور بالفخر الذي يواكب اللاعب/ المتعلّم عند الإنتصار والروح الرياضيّة والتّعاون بين اللاعبين/ المتعلّمين يُحسّنان من ذكائه العاطفيّ ووعيه الحسيّ، الأمر الذي يُتيح الفرصة له للتعبير عن حاجته وميوله ورغباته التي يعبّر عنها، ويمنحه فرصة للتغيّر.
أضف إلى أنّ هذا المنحى التعليمي يؤثّر بشكلٍ إيجابي في المهارات الاجتماعيّة لدى المتعلّم، ويُساعد في تعلّم المعنى الحقيقيّ لقوانين وعادات المجتمع. 
وفي النهاية يُمكن للتّلعيب أنّ يُؤثّر في سلوك المتعلّم من خلال تحفيزه على حضور الحصّة برغبة وشوق أكبر، مع التّركيز على المهام التّعليميّة المفيدة وأخذ المبادرة، فينمّي حبّ التعلّم، والمثابرة.
إنّ التعليم والتعلّم عن بُعد أفضل من البُعد عن التعليم والتعلّم، فنحن بحاجةٍ إلى إبتكار الطرائق والوسائل المناسبة لنجاحنا في هذه المهمّة، حتى نتخطّى الأزمة الراهنة بسلام.